للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحتج من قال إنه الكبد: بأنه العضو الذي منه النمو والاغتذاء الذي به قوام الحيوان. قالوا: فالنظام الطبيعيُّ يقتضي أن يكون أول متكون: الكبد، ثم القلب، ثم الدماغ، لأن أول فصل الحيوان هو النمو، وليس به في هذا الوقت حاجة إلى حسٍّ، ولا إلى حركة إرادية، لأنه يُعَدُّ بمنزلة النبات، فلا حاجة به حينئذ إلى غير النمو. ولهذا إنما تصير له قوة الحس والإرادة عند تعلُّق النفس به، وذلك في الطور الرابع من أطوار تخليقه، فكان أول الأعضاء خلقًا فيه هو آلة النمو، وذلك الكبد. والذي شاهده أرباب التشريح، حتى إنهم متفقون عليه، أنه أول ما يتبين في خلق جثة الحيوان ثلاث نقط متقاربة بعضها من بعض، يتوهم أنها رسم الكبد والقلب والدماغ ثم يزداد بعضها من بعض بعدًا على امتداد أيام الحمل، فهذا القدر هو الذي عند المشرِّحين، فأما أيّ هذه النقط أقدم وأسبق، فليس عندهم عليه دليل إلا الأَخْلَقُ والأَوْلَى والقياسُ، والله أعلم.

فصل

ثم تُقَدَّرُ مفاصلُ أعضائه، وعظامه وعروقه وعصبه، ويُشَقُّ له السمع والبصر والفم، ويفتق حلقه بعد أن كان رَتْقًا، فيُركَّب فيه اللسان، ويُخطّط شكله وصورته، وتُكْسَى عظامه لحمًا، ويُربَط بعضها إلى بعض أحكم ربط وأقواه، وهو الأسْر الذي قال فيه: {نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ} [الإنسان/ ٢٨]. ومنه الإسار الذي يربط به، ومنه الأسير (١).


(١) «الذي قال ... ومنه الأسير» ساقط من «ب».

<<  <  ج: ص:  >  >>