للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهذا جاء في حديثِ هِرَقْل: إني أجد ملك الختان قد ظهَرَ، فقال له أصحابه: لا يهمنَّك هذا، فإنما تختتن اليهود فاقتُلْهُم، فبينما هم على ذلك، وإذا برسولِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قد جاء بكتابِه، فأَمرَ به أن يُكْشَف ويُنْظَرَ هل هو مختون؟ فوُجِدَ مختونًا. فلما أخبره أن العرب تختتن، قال: هذا مَلِكُ هذه الأمَّة (١).

ولما كانت وقعة أَجْنَادِينَ بين المُسْلِمين والرُّوم، جعل هشامُ بنُ العَاصِ يقول: يا معشر المُسْلِمين إنَّ هؤلاء القُّلْفَ لا صَبْرَ لهم على السَّيف. فذكَّرَهُمْ بِشِعَارِ عُبَّادِ الصَّلِيْبِ ورَنْكِهِمْ، وجَعَلَه مما يُوجِبُ إقدامَ الحُنَفَاءِ عليهم وتَطْهيرَ الأرضِ منهم.

والمقصود أنَّ صبغة الله هي الحنيفية التي صبغتِ القلوبَ بمعرفتِه ومحبَّتهِ، والإخلاصِ له، وعبادتِهِ وحدَه لا شريكَ لهُ، وصَبغتِ الأبدانَ بِخِصَالِ الفِطْرةِ من الختانِ، والاسْتِحْدَادِ، وقَصِّ الشَّاربِ، وتقليمِ الأظفارِ، ونَتْفِ الإبْطِ، والمضْمَضَةِ، والاسْتِنْشَاقِ، والسِّواكِ، والاستنجاءِ، فظهرتْ فطرةُ الله على قلوبِ الحُنَفَاءِ وأَبْدَانِهم.

قال محمَّدُ بنُ جَرِيرٍ (٢) في قوله تعالى: {صِبْغَةَ اللَّهِ}: يعني


(١) قطعة من حديث طويل أخرجه البخاري في بدء الوحي: ١/ ٣١، وفي مواضع أخرى، ومسلم في الجهاد، باب كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام: ٣/ ١٣٩٣ وما بعدها، برقم (١٧٧٣).
(٢) في تفسيره جامع البيان: ٣/ ١١٧ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>