للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومَنْ جعل هناك حوضًا وخزانةً يجتمع فيها الطعامُ والشرابُ، وساقَ إليه مَجَارِيَ وطرقًا ينفذ فيها، فيسقي جميعَ أجزاءِ البدنِ، كلُّ جزءٍ يشربُ من مجراه الذي يختصُّ به لا يتعدَّاهُ {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [البقرة/ ٦٠].

ومَنْ أخذ منها تلكَ القُوَى التي بها تمَّتْ مَصَالِحُهَا ومَنَافِعُهَا؟

ومَنْ أودع فيها العلومَ الدقيقةَ والصنائعَ العجيبةَ، وعلَّمها ما لم تكنْ تعلمْ، وألْهَمَهَا فُجُورَهَا وتَقْوَاهَا، ونَقَلهَا في أطْوَارِ التَّخْليقِ طَوْرًا بعد طَوْرٍ، وطَبَقًا بَعْدَ طَبَقٍ إلى أنْ صارتْ شخصًا حيًّا ناطقًا سميعًا بصيرًا، عالمًا متكلِّمًا آمرًا ناهيًا، مسلَّطًا على طَيْرِ السَّماءِ وحِيْتَانِ الماءِ، ووُحُوشِ الفَلَوَاتِ، عالمًا بما لا يعلمُه غيرُه من المخلوقاتِ؟ {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (١٧) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (١٨) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (١٩) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (٢٠) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (٢١) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} [عبس/ ١٧ ـ ٢٢].

فصل

وقد زَعَمَ طائفةٌ ممَّن تكلَّم في خَلْقِ الإنسانِ أنَّه إنَّما يُعطَى السمعَ والبصرَ بعد وِلَادتِه وخُرُوجِهِ من بَطْنِ أُمِّه، واحتجَّ بقوله تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل/٧٨].

واحتجَّ بأنَّه في بطن الأمِّ لا يَرَى شيئًا، ولا يسمعُ صوتًا، فلمْ يكنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>