للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأصبر وأشدُّ احتمالًا لما يعرض لهم، وكذلك تكون العناية بهم بعد ولادتهم (١) آكَدَ والحذر عليهم أشدَّ، فإن أغصان الشجرة وفروعها ما دامت لاصقة بالشجرة ومتَّصلة بها لا تكاد الرياح العواصف تزعزعها ولا تقتلعها، فإذا فصلت عنها وغُرست في مواضع أُخَرَ نالتْها الآفةُ ووصلت إليها بأدنى ريح تهبُّ حتى تقتلعَها.

وكذلك الجنين ما دام في الرَّحم، فهو يقوى ويصبر على ما يعرض له ويناله من سوء التدبير والأذى على ما لا يصبر على اليسير منه بعد ولادته وانفصاله عن الرحم، وكذلك الثمرة على الشجرة أقوى منها وأثبت بعد قطعها منها.

ولما كان مفارقة كل معتاد ومألوف بالانتقال عنه شديدًا على من رَامَهُ، ولا سيمَّا إذا كان الانتقال دفعة واحدة، فالجنين عند مفارقته للرحم ينتقل عما قد ألفه واعتاده في جميع أحواله دفعة واحدة، وشدة ذلك الانتقال عليه أكثر من شدة الانتقال بالتدريج.

ولذلك قال «بقراط»: قد يُعْلَم بأهون سعي وأيسره، أنَّ التدبير الرديء من المطعم والمشرب إذا كان يجري ـ مع رداءته (٢) ـ على أمر واحد يشبه بعضه بعضًا دائمًا فهو أوثق وأحرز وأبعد عن الخطر في التماس الصحة للأبدان من أن ينقل الرجل تدبيره دفعة واحدة إلى غذاء


(١) في «د»: ولادهم.
(٢) في «أ»: من رداءته.

<<  <  ج: ص:  >  >>