للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال داود وأصحابه: لا حدَّ له بالسنِّ، إنما هو الاحتلام. وهذا قول قويٌّ وليس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السنِّ حدٌّ البتة. وغايةُ ما احتجَّ به مَن قيَّده بخمس عشرة سنة، بحديث ابن عمر حيث عُرِضَ على النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في القتال وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يُجِزْهُ، ثم عُرض عليه وهو ابن خمس عشرة فأجازه (١).

وهذا الحديث وإن كان متفقًا على صحته، فلا دليل فيه على أنّه أجازه لبلوغه، بل لعلَّه استصغره أوَّلًا، ولم يَرَهُ مُطِيْقًا للقتال، فلمَّا كان له خمس عشرة سنة رآه مطيقًا للقتال، فأجازه، ولهذا لم يَسْألْهُ هل احتلمتَ أو لم تحتلمْ، واللهُ سبحانه إنَّما علَّق الأحكامَ بالاحتلامِ، وكذلك رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يأتِ عنه في السنِّ (٢) حديثٌ واحدٌ سوى ما حكاه ابنُ عُمَرَ من إجَازَتِه ورَدِّهِ.

ولهذا اضطربت أقوال الفقهاء في السنِّ الذي يُحكَم ببلوغ الصبيِّ له، وقد نصَّ الإمام أَحْمَدُ على أنَّ الصبيَّ لا يكونُ مَحْرَمًا للمرأة حتى يحتلمَ، فاشْتَرَطَ الاحتلامَ (٣).


(١) عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عرضه يوم أحد، وهو ابن أربع عشرة سنة، فلم يجزه، وعرضه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه. أخرجه البخاري في المغازي، باب غزوة الخندق: ٧/ ٣٩٢، ومسلم في الإمارة، باب بيان سن البلوغ: ٣/ ١٤٩٠.
(٢) في «ج»: السنن.
(٣) انظر: المغني لابن قدامة: ٥/ ٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>