للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إنه أمر شديد على النفس أن يكون صاحبها هكذا ولا يخالجها لحظات العُجب.

روى الحاكم عن ابن عباس رضى الله عنهما: " ما أصاب داود ما أصابه بعد القدر إلا من عجب، عَجِب به من نفسه، وذلك أنه قال: يارب، ما من ساعة من ليل أو نهار إلا وعابد من آل داود يعبدك، يصلى لك، أو يسبح، أو يكبر، وذكر أشياء، فكره الله ذلك. فقال: يا داود، إن ذلك لم يكن إلا بِي، فلولا عوني ما قويت عليه .. وجلالي لأكِلنَّك إلى نفسك يومًا. قال: يارب فأخبرني به، فأصابته الفتنة ذلك اليوم " (١).

خامسًا: كثرة المدح:

مدح شخص ما في وجهه من أخطر أسباب تضخم الذات، وهذا أمر نلمسه جميعًا، ولقد انزعج رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما رأى رجلًا يمدح آخر في وجهه فقال له: " ويحك، قطعت عنق صاحبك، لو سمعها ما أفلح " (٢).

لماذا لا يفلح؟

لأنه سيصدق نفسه بما استمع إليه من عبارات المديح، فينتشى ويتعاظم، ويفتر عن العمل والاجتهاد وينسى ذنوبه.

وبكثرة المدح، تترسخ هذه الحقيقة داخل النفس ويوقن بأنه بالفعل مميز فيشتد استعلاؤه، ونظرته الفوقية لنفسه، فيقترب شيئًا فشيئًا إلى الهلاك وعدم الفلاح.

قال الماوردي: وللإعجاب أسباب، فمن أقوى أسبابه كثرة مديح المتقربين، وإطراء المتملقين (٣).


(١) أخرجه الحاكم (٢/ ٤٧٠ برقم ٣٦٢٠) وصححه، ووافقه الذهبي، والبيهقي (٥/ ٤٥٣ برقم ٧٢٥٣)، وابن أبي شيبة (١١/ ٥٥٢ برقم ٣٢٥٤٩)
(٢) متفق عليه، البخاري (٢/ ٩٤٦، رقم ٢٥١٩)، ومسلم (٤/ ٢٢٩٦، رقم ٣٠٠٠).
(٣) أدب الدنيا والدين للماوردي ص ٢٣٤ - دار الكتب العلمية - بيروت.

<<  <   >  >>