ولقد كان الصحابة يخشون من هذه الآفة، فهذا عمر بن الخطاب يخاف أن يكون لديه بقية من كبر واستعظام النفس لكونه عربيًا، وأنه أفضل من سلمان الأعجمي فأراد أن يمحوها ويتأكد من خلو نفسه منها بطلبه من سلمان أن يتزوج ابنته.
أخرج ابن المبارك في الزهد أن عمر بن الخطاب قال لسلمان:
يا سلمان ما أعلم من أمر الجاهلية شيئًا إلا وضعه الله عنا بالإسلام، إلا أنا لا ننكح إليكم ولا ننكحكم، فهلم فلنزوجنك ابنة الخطاب .... أفر والله من الكبر. قال سلمان: فتفر منه وتحمله عليّ .. لا حاجة لي به (١).
المَنُّ بالعطايا:
من آثار رؤية النفس بعين الاستعظام، ونسيان أن الله عز وجل هو صاحب كل فضل ومنَّة: أن صاحبها لا يُعطي عطية لأحد، ولا يُقدم له خدمة إلا ويَمُنّ عليه بها وينتهز الفرصة المناسبة لتذكيره بخدماته وعطاياه، بل يعمل كذلك على استنطاق لسانه بمدحه وشكره، وقد يغضب منه إذا ما قصر في ذلك، ويصل به الأمر أحيانًا إلى أن يشكو لغيره على نكرانه للجميل.
[كثرة أحلام اليقظة بالاشتهار بين الناس]
أما مجال خواطر الإنسان وحديث نفسه، فتجده كثيرًا ما يحلم بالشهرة وارتفاع شأنه بين الناس، وقيامه بأعمال خارقة تلفت إليه انتباه الجميع ..
ينظر إلى نفسه على أن له قدرًا عند الله بما يقوم به من أعمال ...
ينتظر الكرامات، ويستعظم أن ينزل به بلاء.
يلازمه الشعور بالأمان ... يخاف على الناس أكثر مما يخاف على نفسه.
يظن أنه محسن، وهم مسيئون، وأنه ناج وهم هالكون، وأنه عالم وهم جاهلون، وأنه عاقل وهم حمقى، وأنه من طلاب الآخرة وهم من طلاب الدنيا.
(١) الزهد لابن المبارك ص ٥٢ في زيادة نعيم بن حماد.