ومما يلحق بهذا اللون من التربية الربانية: نسيان العمل بعد أدائه، فمن دلائل رحمة الله بعبده أنه - سبحانه - ينسيه عمله الصالح بعد قيامه به، من خلال شغل ذهنه بأمور أخرى تملأ عليه فكره، وتنقله بعيدًا عن التفكير في عمله، فلا يجد أمامه مجالًا لاستحسانه والإعجاب به.
[تأخر الإمداد]
ومن صور التربية الربانية: تأخر كشف الكرب عن العبد، ولهذا الأمر فوائد عظيمة منها: أنها تكشف للعبد حقيقة ضعفه وفقره الماس إلى الله عز وجل، وأنه لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا، ومنها كذلك: أنها تسقط كل الدعاوى الزائفة حول الأسباب أو المواهب التي يظن المرء أنها لديه، وأن بإمكانها أن تسعفه في أي وقت.
فالذي يدعو الله بكشف كربه عند اشتداد الريح وهو على ظهر سفينة، يختلف كثيرًا في تضرعه عمن يدعو الله وهو في البحر وقد تعلق بخشبة.
والذي يدعو الله بعد أن تركته تلك الخشبة سيكون - بلا شك - أكثر تضرعًا وانكسارًا منه في الحالتين السابقتين (١).
فمن فوائد البلايا ولطائف أسرارها - كما يقول ابن رجب -:
أنها توجب للعبد الرجوع إلى الله عز وجل، والوقوف ببابه، والتضرع والاستكانة له، وذلك من أعظم فوائد البلايا. وقد ذم سبحانه من لا يستكين له عند الشدائد {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ}[المؤمنون: ٧٦].
ومنها: أن البلاء يقطع قلب المؤمن عن الالتفات إلى مخلوق، ويوجب له الإقبال على الخالق وحده ... فالبلاء يجمع بين القلب وبين الله، والعافية تجمع بينك وبين نفسك.