ويستطرد البوطي في رده على من يظن أن نفسه قد صارت تأمره بفعل الخير فيقول: إن صح ما تقول، فأنت لم تعد مكلفًا من قبل الله بشيء، لأنك لن تشعر بأي كلفة فيما يأمرك به، إذ أصبحت نفسك سباقة بكامل رغبتها وسرورها إلى هذا الذي يأمرك الله به .. ولابد أن يصبح أمره عندئذ عبثًا، وثوابك عليه باطلًا .. ولكن أمر الله عز وجل نافذ وسيظل نافذًا في حق عباده أجمعين، وثوابه جار ومهيأ لجميع المحسنين، ولا يكون ذلك إلا لأنهم مكلفون، ولايكونون مكلفين إلا عندما تكون التكاليف الإلهية مخالفة لرغبات نفوسهم، متشاكسة مع تطلعاتها وأهوائها.
وإن جميع الربانيين من عباد الله الصالحين، وأوليائه المقربين، ظلوا في جهاد دائب مع أنفسهم حتى أتاهم اليقين الذي نقلهم إلى رحاب مولاهم الجليل.
وإنما كان مصدر الأجر الذي وعدهم الله به وادخره لهم: مخالفتهم الدائبة لأهواء نفوسهم، وتطلعاتهم الشهوانية.
إذن فالنفس البشرية تظل نزاعة إلى شهواتها وأهوائها مادامت باقية.
[ما أقبح الرضا عن النفس]
ويقول البوطي: فإذا كان الإنسان راضيًا عن نفسه، فليس يعنى رضاه عنها إلا انقياده لما تحبه وتدعو إليه، ولابد أن تورده عندئذ المهالك، وأول هذه المهالك إعجابه بنفسه الأمارة بالسوء، وادعاؤه أنها مزكاة من النقائص، متسامية على الرذائل والقبائح من الطباع، وهو نقيض ما قد أمر الله، أو نهي عنه، إذ قال:{فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}[النجم: ٣٢] وقال سبحانه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا}[النساء: ٤٩].