فكلما اشتد الكرب وعظم الخطب كان الفرج حينئذ قريبًا .. لماذا؟! لأن الكرب إذا اشتد وعظم وتناهي وجد الإياس من كشفه من جهة المخلوق، ووقع التعلق بالخالق وحده، ومن انقطع عن التعلق بالخلائق، وتعلق بالخالق استجاب الله له، وكشف عنه.
ومنها: أن المؤمن إذا استبطأ الفرج ويئس منه، ولا سيما بعد كثرة دعائه وتضرعه ولم يظهر له أثر الإجابة: رجع إلى نفسه باللائمة ويقول لها: إنما أوتيتُ من قِبَلِك، ولو كان فيكِ خير لأجبت .. وهذا اللوم أحب إلى الله من كثير من الطاعات، فإنه يوجب انكسار العبد لمولاه، واعترافه له بأنه ليس بأهل لإجابة دعائه، فلذلك يسرع إليه حينئذ إجابة الدعاء وتفريج الكرب، فإنه تعالى عند المنكسرة قلوبهم من أجله، وعلى قدر الكسر يكون الجبر.
فمن تحقق بهذا وشاهده بقلبه، علم أن نعم الله على عبده المؤمن بالبلاء أعظم من نعمه عليه في الرخاء (١).
[مواقف عملية للتربية الربانية]
هناك العديد من المواقف العملية لهذه التربية الربانية والتي من شأنها أن تعرف العبد بنفسه وتضعه في حجمه الصحيح، وأنه لا يملك من الأمر شيئًا، وتعرفه كذلك بربه، وبأن مقاليد الأمور كلها في يديه، وأنه لا غنى عنه طرفة عين.
ومن هذه المواقف ما حدث لبعض عباد الله المصطفين مثل ما حدث لرسوله الحبيب صلى الله عليه وسلم عندما جاءه من يسأله عن أشياء لا يخبر عنها إلا نبي، وهي خبر أهل الكهف، وذي القرنين، وماهية الروح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أخبركم غدًا عما سألتم عنه " ولم يستثن، فانصرفوا عنه، ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة عشر ليلة لا يحدث الله له في ذلك وحيًا، ولا يأتيه جبرائيل عليه السلام، حتى أرجف أهل مكة، وقالوا: وعدنا محمد غدًا، واليوم خمس عشرة قد أصبحنا فيها، لا يخبرنا
(١) نور الاقتباس ص ٢٠٩ في مكشاة وصية النبى صلى الله عليه وسلم لابن عباس لابن رجب ص ٢٠٩ - الجامع المنتخب لمجموع رسائل ابن رجب - دار المؤيد - جدة.