المقدم: معلوم أن الموت انفصال الروح عن الجسد، وبما أن الحديث عن الروح فقد وردت في التاريخ بعض القصص الأدبية عن أناس ثبتوا عند الموت، وأناس جزعوا، فلو ذكرت طرفاً من ذلك.
الشيخ: الموت مخيف وقد سماه الله مصيبة، ولا يوجد أحد يحب الموت كما قالت عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن التعلق بالحياة شيء فطري لكن هناك أناس ثبتوا وأناس جزعوا، ومما ذكر أن أحد الرجال الذين حكم عليهم بالقتل كان فصيحاً قبل أن يقتل، فالحاكم الذي أراد أن يقتله أخرج له كفناً منشوراً، وأمر الجلاد أن يسل السيف وحفر قبره، فقيل له: ألا تتكلم؟ قال: من أين أتكلم؟ قبر محفور، وسيف مشهور، وكفن منشور.
ومر معنا مراراً أن تميم بن جميل أحد الذين خرجوا على المعتصم كان وسيماً، وفي نفس الوقت كان فصيحاً، فأراد المعتصم أن يعرف موقع لسانه من جنانه، فقدمه وقد سل السيف وجيء بالنطع والجلاد، فقال: أرى الموت بين السيف والنطع كامناً يلاحظني من حيث ما أتلفت وأكبر ظني أنك اليوم قاتلي وأي امرئ مما قضى الله يفلت يعز على الأوس بن تغلب موقف يسل علي السيف فيه وأسكت وما جزعي من أن أموت وإنني لأعلم أن الموت شيء مؤقت ولكن خلفي صبية قد تركتهم وأكبادهم من حسرة تتفتت كأني أراهم حين أنعى إليهم وقد خمشوا تلك الوجوه وصوتوا فإن عشت عاشوا سالمين بغبطة أذود الردى عنهم وإن مت موتوا وقتل رجل رجلاً قبل عهد معاوية، وفي عهد معاوية حكم عليه بالقصاص لما كبر القصار، فجيء به في ساحة القصاص ليقتل فتبعته امرأته، تخبره بوفائها وحبها له، فنظر إليها وقال: هذا صنع من تريد الحياة، فجدعت أنفها، فلما جاء أمير البلدة ليحضر قتله، وحركت الأبواب ولها صرير، وجاء الحرس فقال: أذا العرش إني عائذ بك مؤمن مقر بزلاتي إليك فقير وإني وإن قالوا أمير مسلط وحجاب أبواب لهن صرير لأعلم أن الأمر أمرك إن تدن فرب وإن ترحم فأنت غفور