[موضع الوقف في الآية]
الملقي: هل نقف على قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران:٧]، أو نصل فنقول: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ} [آل عمران:٧]؟ الشيخ: هذه مسألة اختلف فيها أهل العلم والأئمة رحمة الله تعالى عليهم أحياء وأمواتاً من قبل، يقول الله جل وعلا: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران:٧].
أنا أقول: إنه يجب أن نحرر معنى كلمة (تأويل)، لأنه لا سبيل إلى معرفة مكان الوقف في الآية حتى نعرف معنى كلمة (تأويل)، وأنا سأسرد أقوال العلماء: قال بعض العلماء وهو قول ينسب إلى الجمهور: إن الوقوف على لفظ الجلالة: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران:٧]، والواو بعد ذلك استئنافية، أي: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران:٧].
وقال مجاهد وبعض أئمة التفسير: إن الواو عاطفة فيقرأ: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران:٧]، فيكون قوله: {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران:٧]، جملة حالية من الراسخين.
والصواب عندي والعلم عند الله أن الحق يعرف بعد معرفة معنى كلمة تأويل، وكلمة (تأويل) في القرآن وردت بمعنيين: وردت بمعنى تفسير، ووردت بمعنى حقيقة الشيء وكنهه ومآله.
فإذا عبرناها بأنها حقيقة الشيء وكنهه ومآله وجب الوقف على لفظ الجلالة؛ لأن هذا لا يمكن أن يعلمه إلا الله، ومنه قول الله جل وعلا: {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} [الأعراف:٥٢ - ٥٣]، أي: يأتي مآله، فهذا لا يمكن أن يعلمه إلا الله.
أما إذا قلنا: (تأويل) هنا بمعنى التفسير وبيانه للناس بياناً لا يصل إلى معرفة حقيقته وكنهه، فهنا الصواب عندي أن يوقف على قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران:٧]، يصبح الراسخون في العلم يعلمون تفسيره للناس، الفخر الرازي رحمه الله وعفا عنه لا يرى الوقف على الراسخون في العلم ويرى الوقف على لفظ الجلالة، فيقول: لو كان الراسخون في العلم يعلمون تأويله لما بقيت لهم مزية؛ لأن المحكم والمتشابه صار عندهم شيئاً واحداً، فانتفى الأمر القلبي؛ لأنهم أصلاً عرفوا تأويلها بالعلم، هذا رأيه، وعندي أن هذا القول حجة عليه لا حجة له؛ لأن الله لو أراد القضية القلبية لقال: والراسخون في الدين، في الإيمان، في اليقين يقولون آمنا به، لكن الله قال: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران:٧].
أعني لأن الثناء بالإيمان القلبي يأتي في الأمور التي يسلم الإنسان فيها، ولا يعرف حكمتها، أما الإيمان العلمي فيأتي في الأشياء التي يعرف الإنسان حقيقتها ويعرف المراد منها.
فأقول: إذا كان المقصود بالتأويل هو إدراك حقيقة الشيء وكنهه فهذا لا يعلمه إلا الله، ونقف على لفظ الجلالة، وإذا كان التأويل تفسيره وبيانه للناس فهذا يوقف على {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران:٧]، وأظن أن الآية إلى الثاني أقرب، والعلم عند الله.
الملقي: لكن بالنسبة للقارئ هل يختار أن يحمل المعنى على ما يريد ويقف في الموقف الذي يراه؟ الشيخ: بالنسبة للقارئ فإنه يقف حسب ما يعتقده؛ لكن كما قلت إنه ممكن أن يقف على قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران:٧]، ثم يقول: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران:٧] يصير كأنه جمع بين القولين.