المقدم: من الثنايا يا شيخ الإفراط والتفريط، فهناك سائل يسأل ويقول: كيف يكون الإنسان وسطياً وحددها بمسألة الشجاعة والكرم؟
الجواب
قال الشاعر: الرأي قبل شجاعة الشجعان هو أول وهي المحل الثاني كلا طرفي الأمور ذميم، فالإنسان إذا كان الصنيع الذي يصنعه يجتز الأمر من أصله، فهو مذموم لا يسمى شجاعة، ولا يسمى كرماً؛ لأنه لابد من عوده، وإذا كان لا يحقق المراد أبداً ويقصر عنه فهو مذموم، لكن الإنسان يحاول أن يحقق المراد دون أن يجتز الأصل.
فلا يعقل أن تعطي ضيفك كل ما عندك؛ لأن الله يقول:{وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ}[الإسراء:٢٩]، ولا يعقل أن ترده؛ لأن الله قال:{وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ}[النساء:١٢٨]، لكن إذا أرضيت ضيفك دون أن تضيع أهلك كان ذلك وسطاً، كما قال صلى الله عليه وسلم:(إياك والحلوب)، فهو إذن له أن يذبح دون أن يذبح شاة فيها نفع لأهله، فلا يجتز الأصل، وإنما يصل إلى النفع.
وكذلك في الشجاعة ونحوها، فهذا النبي صلى الله عليه وسلم قاتل وتقدم الصفوف، لكنه كان يلبس في بعض حروبه درعين، ولهذا مر معنا أن الأعشى عندما مدح بعضهم فقال: كنت المقدم غير لابس لمة بالسيف تضرب معلماً أبطالها فلما قال مادحاً أنه غير لابس لمة ذمته العرب على هذا المدح؛ لأن كونه لا يلبس درعاً في الحرب هذا تهور، لكن الشجاع يتقدم الصفوف ويحتاط لنفسه.