للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التلازم بين الحسنات والسيئات في الذكر في القرآن]

المقدم: أختم يا شيخ بما يتعلق بالأشياء التي وردت في القرآن الكريم وترددت كثيراً، وهنا ما يتعلق بمسألة الحسنات والسيئات، فهي غالباً ما تقرن ببعضهما، فدعنا نتكلم يا شيخ عن أسباب حصول الحسنات والسيئات، ثم كيفية المحافظة على الحسنات، ومحاولة الزيادة منها.

الشيخ: لقد خلق الله جل وعلا الثقلين لأمر عظيم: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦].

ثم كلف عباده بأعمال، فسمى جل وعلا صنيع ما نهى عنه سيئة، وسمى صنيع ما أمر به أو دعاء إليه حسنة، وسمى الأجر المترتب عليها حسنة، وسمى الأجر المترتب على السيئة سيئة، {جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا} [يونس:٢٧].

فالحسنة تطلق على العمل، وتطلق على الجزاء، والسيئة تطلق على العمل، وتطلق على الجزاء، والحسنات والسيئات ضدان، ومن أعظم ما يتقرب إلى الله جل وعلا به: إتيان الحسنات وترك السيئات، ولا حسنة تعدل توحيد الله جل وعلا، وكل الحسنات مندرجة فيها، فهي الحسنة العظمى.

ولا سيئة عياذاً بالله تعدل الشرك، فهي السيئة العظمى المحبطة لكل عمل، وجعل الله جل وعلا جزاء السيئة سيئة مثلها، وجعل جزاء الحسنات الحسنة بعشر أمثالها؛ كرماً منه، وتفضلاً على عباده، ثم يضاعف الله جل وعلا لمن يشاء.

وإذا كان يوم القيامة وزنت حسنات المرء وسيئاته قال الله جل وعلا: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:٩٩ - ١٠٠] إلى أن قال: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} [الأعراف:٨]، ثم قال بعدها: {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} [الأعراف:٩].

وحتى يتحقق فعل الحسنة لابد من أمور: أولها: أن يقع في القلب تعظيم الرب تبارك وتعالى، ثم يزدلف الإنسان إلى ربه بتلك الحسنات التي أمر بها، وقد بينا أن من أعظم الحسنات، بل الحسنة التي لابد منها حتى يصح ما بعدها هي التوحيد، والسيئة التي لابد من تركها حتى لا تحبط الحسنات هي الشرك، ثم تأتي أعمال، والناس قدراتهم ومشاربهم ومواهبهم وظروفهم تختلف، لكن المهم أن يصنع الإنسان الحسنات التي شرعها الله جل وعلا، منها بر الوالدين، فبر الوالدين من أعظم ما يقرب إلى الله تبارك وتعالى، وإن القلوب لتدمع عندما يسمع الإنسان ويقرأ في الصحف أن أحداً من الناس قتل أحد أبويه، أو تجرأ عليهما، والله يقول: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء:٢٤].

وجاء في الأثر: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو إليه كثرة ذنوبه، فقال له عليه الصلاة والسلام: (ألك والدة) يعني: موجودة حية، (قال: لا.

قال: لك خالة؟ قال: نعم.

قال: فبرها)، فجعل صلى الله عليه وسلم بر الخالة ممحاة للذنوب، فكيف إذاً ببر الوالدة! ومن وسائل القرب إلى جل وعلا: صلاة الليل، فإن الإنسان إذا كان يوجد لديه باعث أن يقوم من فراشه ويصلي فهو على خير عظيم، قال الله جل وعلا: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ * وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ * وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [هود:١١٢ - ١١٥].

وهذا من نعم الله أن الله جعل للحسنات سلطاناً على السيئات، {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:١١٤].

والمحافظة عليها لا يحمل الإنسان على كاهله هماً أعظم من هم: كيف يفد على الله جل وعلا، فحسن الوفادة على الله يلزم منه الاستمرار على العمل الصالح، والاستمرار على العمل الصالح لا يكون إلا بالله، وكما قلنا من قبل ما لا يكون بالله لا يمكن أن يكون، ومعنى ذلك: أنه ليس أمام الإنسان إلا أن يتضرع، ويتوسل إلى ربه في أن يرزقه عمل الحسنات، ويكفر عنه السيئات، ويعصمه، وأن يثبته على الهدى حتى الممات؛ حتى ينجو، هذا ما يمكن أن يقال جملة عن الحسنات والسيئات.

المقدم: أحسن الله إليكم يا معالي الشيخ، وأتقدم نيابة عن كل المشاهدين بجزيل الشكر، شكر الله لكم يا شيخ صالح.

<<  <  ج: ص:  >  >>