للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهمية التواضع لأهل العلم والفضل خصوصاً

السؤال

حبذا لو أشرتم -حفظكم الله ورعاكم- إلى ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من تواضع رغم ما آتاه الله جل جلاله من المكانة العليا التي لا ينالها أحد من خلق الله، ثم هو مع ذلك كان على قدر عال جداً من التواضع، وعدم الترفع على الناس، وخفض الجناح لعامة المسلمين، ولضعفائهم وأيتامهم وأطفالهم، مع أنه أعلى الناس ذكراً، وأجلهم قدراً صلوات الله وسلامه عليه، سيما ونحن نعاني في أزمنتنا هذه من أقوام -وهم قلة بحمد الله- ما إن يتبوأ أحدهم مكاناً شرعياً بين الناس حتى يحيط به الحجاب ويصعب على الناس لقاؤه، وكأن الله عز وجل قد وكل به صلاح الناس وهدايتهم.

الجواب

نريد أن نوجه رسالة إلى الناس سيما لمن تصدر في المقام الأول بعلم أو جاه أو مال، أو أنه أعطي من عند الله قبولاً: أن الله جل وعلا يبتلي عباده الذين يعطيهم عطاياه كيف يتعاملون معها، فإذا كانوا ينظرون إلى أن النعمة بسببهم وبجهدهم؛ فترفعوا عن عباد الله، فهؤلاء يضعهم الله، وقد يسلبهم النعمة، وأما إذا تيقنوا أن النعمة من عند الله، فلم يرتفعوا على عباده خوفاً من أن يسلبهم الله النعمة، فهؤلاء يرفعهم الله، ويديم عليهم نعمه.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم في الذروة من الكمال البشري، ومن كمال بشريته عليه الصلاة والسلام أنه يسهل الوصول إليه، وأنه عليه الصلاة والسلام قريب من الناس، متواضع لكل أحد، فيقول: (إنما عبد فقولوا: عبد الله ورسوله)، وكان متواضعاً حتى في جلسته عليه الصلاة والسلام في الطعام، فلما رآه الأعرابي تغير حاله من جلسة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكأنه عليه الصلاة والسلام يريد أن يشير أن هذا هو ما يقتضيه مقام العبودية لله جل وعلا.

والإنسان إذا كانت تنبعث عظمته من نفسه فلا حاجة له في أن يترفع عن الناس؛ لأنه لا يحتاج إلى أن تلقى عليه الأضواء، ويجعل بينه وبين الناس حجاباً، إلا ما كان يخاف عليه أمنياً كما يحدث للأمراء والسلاطين والمسئولين، فهذه قضية حماية أمنية لا علاقة لها بالموضوع، لكن الذي يعنينا هم العلماء في المقام الأول، فيجب عليهم أن يخرجوا للعامة، وأن يقابلوا الناس ما استطاعوا.

فبادره وخذ بالجد فيه فإن أعطاكه الله انتفعتا فإن أوتيت فيه طويل باع وقال الناس إنك قد رؤستا فلا تأمن سؤال الله عنه بتوبيخ علمت فهل عملتا؟ فالنبي صلى الله عليه وسلم كان قدوة حسنة لأمته في كل خير، ومن أعظم ذلك قربه صلى الله عليه وسلم من سائر الناس، ولاشك أنه يفترض على الناس شيء معين، لكن ينبغي لمن تصدر أن يتحمل، وأن يسعى قدر الإمكان إلى التواصل، وكلنا يقع منا التقصير، لكن هناك أمور التقصير فيها مقبول، وثمة أمور التقصير فيها من العالم غير مقبول.

<<  <  ج: ص:  >  >>