للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[من سيرة الخليفة العباسي المهدي]

السؤال

يرغب بعض أعضاء القطوف في أمر، وهو أننا إذا ذكرنا سيرة عالم أو خليفة أو شاعر أن نذكر شيئاً من أخباره ولطائفه، وقد ذكرتم قبل قليل خبر ابن أبي ذئب مع المهدي؟ الشيخ: نعرج على سيرة المهدي ونذكر أهمها، فنقول: المهدي خليفة عباسي اشتهر بكثرة توليته، أي: وما دام يكثر من التولية فهو يكثر من العزل؛ لأنه لا يكون تولية إلا بعد عزل، وهذا يدل على قوة الشخصية.

وكان موسوماً بالشجاعة وقيل له: يتعجب الناس من شجاعتك! فقال: لم لا أكون شجاعاً وأنا لا أخاف إلا الله! وهذا يدل على أن الإنسان يجتمع فيه خير وشر.

وكان المهدي غارقاً بعض الشيء في اللذات والصيد واللهو بحكم أنه ملك، لكنه كان قصاباً على الزنادقة -أي: يقطع لحمهم- يقول الذهبي في ترجمته: إنه كان محبباً إلى الرعية قصاباً على الزنادقة.

وهذا ظاهر في سيرته، فكثير من الزنادقة أهلكهم الله على يديه.

كذلك جاء عنه أنه في أحد أيام خلافته هبت ريح شديدة عاصفة سوداء حتى ظن بعض الناس أن القيامة قد قامت، فـ سلم -أحد حاشيته وحرسه- ذهب يبحث عن أمير المؤمنين، فذهب إلى الإيوان -يعني: إلى ردهات القصر- فلم يجده، فوجده في أحد بيوت القصر وهو ساجد على التراب رحمة الله تعالى عليه وهو خليفة، لكنه يناجي ربه ويقول: اللهم لا تشمت بنا أعداءنا من الأمم، ولا تفجع بنا نبينا، اللهم إن كان هلاك الناس بسبب ذنب فعلته فهذه ناصيتي بين يديك.

وهذا تسليم عظيم ودلالة على وجود حس إسلامي في قلب هذا الخليفة رحمة الله تعالى عليه، وكذلك قوله لـ زهير حارسه عندما دخل المدينة وقال ابن أبي ذئب: إنما يقوم الناس لرب العالمين، فلو كان الخليفة لا يملك حساً إسلامياً لقال: اضرب عنقه، لكنه قال: لقد قف شعر رأسي مما قال أي: أن كلمة ابن أبي ذئب وقعت منه موقعاً.

وأنا أحسب والعلم عند الله أن ابن أبي ذئب قالها من قلبه صادقاً ولم يقلها متاجراً؛ فإن كثيراً من الناس يلمز السلاطين والأمراء لأغراض أخرى، يعني: يريد أن يؤلب العامة، وأن يحرك أشياء مكنونة، ويريد أن يصفي حسابات؛ هذا والعياذ بالله ليس له في الآخرة إلا النار، وهذا لا يقدم عليه إلا إنسان لا يعرف من هو الله، لكن الله جل وعلا أجل وأعظم من أن يتاجر بدينه.

وإذا كان الإنسان يقول القول يتاجر به حتى يرفع مقامه أو حتى يقال ويقال، ثم هو بعد ذلك لا يريد إلا هذا القول من الناس، فإنما يؤجر في الدنيا وليس له في الآخرة شيء، قال الله جل وعلا: {لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ} [هود:١٦]، وليس بعد تقديم الروح والنفس شيء، ومع ذلك فإن رسول الله لما قيل له إن الرجل يقاتل كذا يقاتل كذا يقاتل كذا، أخبر أن العبرة بمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا.

<<  <  ج: ص:  >  >>