الملقي: كنا نتحدث عن الخصائص الرئيسية للإنصاف، وهي أربع خصائص: المعرفة، التجرد من الهوى، النظرة الشمولية، التماس الأعذار.
هذه أسس وقواعد لابد لها من حواش أو أشياء تساند هذه الأشياء الأربعة وتكملها، فما هي؟ الشيخ: مما تجب مراعاته مع تلك الخصائص أن نعلم أنه ليس من الإنصاف أن نجحف في حق من له حق؛ لأن غيرنا بالغ فيه، وهذا مثال من القرآن: عيسى ابن مريم عليه السلام زعمت النصارى أنه ابن الله، وفي بعض أقوالهم أنه الله، وفي بعض أقوالهم أنه ثالث ثلاثة، وهذا غلو مذموم شرعاً، لكن ذلك لا يعني ألا ننصفه ولا نعرف له المقام الذي أعطاه الله جل وعلا، فمن أجل ذلك أثنى الله تبارك وتعالى عليه، قال ربنا:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ}[الأحزاب:٧]، فعده خامس أولي العزم من الرسل، وقال جل وعلا:{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}[الشورى:١٣]، فغلو النصارى في عيسى بن مريم لم يمنع القرآن أن يأتي بالإنصاف في حقه، هذا التأصيل الأول.
هذا التأصيل يدفعنا إلى الواقع، فثمة أشياء في حياتنا نشعر بانقباض نحوها خوفاً أن نتهم بأننا مبالغون فيها، فأردنا أن نفر من الباطل، فلم نصب الحق.
فمثلاً: الحسن والحسين سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالغت الرافضة فيهما وغلوا فيهما غلواً شنيعاً وفي علي أيضاً، ولذلك فجمهرة الناس وطلاب العلم لا يتحدثون عن الحسن والحسين، وجمهرة الناس لا يسمون باسم الحسن والحسين، ويتحاشا المتصدر في مجلس أن يتكلم بـ الحسن والحسين خوفاً من أن يتهم، وهذا إجحاف في حق السبطين وهما ريحانتا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والعذر عند الناس في هذا أن طائفة من الناس غلت فيهما، والأصل أنه لا يمنعنا ذلك الغلو أن ننصفهما، فمن الخطأ جداً أن يدفع ذلك إلى الإجحاف، وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمة الله تعالى عليه، وهو الإمام المجدد كان من أسماء أبنائه الحسن والحسين وفاطمة، وذلك لأنه عالم، والعلم نور.
فليس من الصواب أن نجحف في حق الناس لأن زيداً أو عمراً غلا فيهم، مثلاً: ذكر الله تبارك وتعالى في القنوت، فلا يأتينا إنسان فنخشى أن نذكر الله عنده خوفاً من أن يتهمنا بأننا من غلاة الصوفية؛ لأن غلاة الصوفية لهم طريقة معينة في الذكر تنكر وتشنع وتبدع، إذا كانت على غير منهج سلف الأمة، وعلى غير منهج النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لا يعني ذلك أبداً أن نسعى في أن نحرم أنفسنا من الخير بدعوى أنه تلبس به أهل الباطل، ويوجد منا من يقدم للناس الخير في قالبه الصحيح، هذه أولى.