الملقي: فضيلة الشيخ، أود أن أنتقل معك في هذه الحلقة إلى شخصيتين تاريخيتين ثار حولهما جدل كبير وتدور حولهما علامة استفهام، والناس ينظرون إليهما نظرات مختلفة، وهما: شخصية الحجاج بن يوسف الثقفي وشخصية الشاعر أحمد شوقي، فماذا تقول فيها يا فضيلة الشيخ؟ الشيخ: الإنصاف أن ننظر نظرة شمولية، فـ الحجاج مما حقق الله على يديه جمع كلمة الناس، جنحت الأمة على خلافة عبد الملك بن مروان إلا قليلاً بسيف الحجاج، من هذه الزاوية نفع الله به الناس، وجمع الناس أمر محمود، ولو كان له ضريبة كبيرة بسفك الدماء، لكن الرجل في تجرئه على دماء المسلمين أخطأ خطأ عظيماً، ولهذا كرهه الأخيار من السلف، وتكلموا فيه كلاماً في بعضه عندي قسوة، لكن من حيث الجملة أصابوا، وهذا لا يمنع من أن يستفيد الإنسان من حزمه، ومن بيانه، ومن كرمه، فقد كان كريماً، كان يقول للناس: إذا طلعت الشمس فاحضروا للغداء، وإذا غربت فاحضروا للعشاء.
وكان حافظاً للقرآن، وكان لغوياً وهو أحد أربعة لم يلحنوا قط، إن صحت الرواية وكان ذكياً جداً، وكان له أمر محمود في الناس.
والذين يريدون أن يسوسوا الناس لا بد أن يكونوا أقوياء:{إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ}[القصص:٢٦]، ومن القوة أن يكون الإنسان نبيهاً ذكياً فاهماً محيطاً، هذه شخصية الحجاج؛ لكن من حيث الجملة هو إلى الفسق أقرب منه إلى الإيمان.
أما أمير الشعراء أحمد شوقي فقد أخذ حقه من اللقب، لكن المشكلة أنه عندما أخذ حقه ظلم، حتى قال بعض المعاصرين: هذا شاعر الأمراء وليس أمير الشعراء، لقربه من السلطان.
وكل من يقرب من السلطان فإن الناس تذمه هذه سنة الله في خلقه، وإلا فكل الناس يتمنى أن يتقرب في الأصل من السلطان، لكن الحق في شوقي رحمة الله تعالى عليه أنه شاعر بمعنى الكلمة.
ولو قدرنا أن نختار خمسة أو عشرة أو أقل على مدار الدهور، ممن أقام الشعر العربي حقاً وقطعاً فإن شوقي سيكون أحدهم إن لم يكن أولهم، لكن لأنه كان قريباً من حكام مصر آنذاك ذمه الناس ولم يقبلوا منه.
وبعض الناس عندما يجادلوننا في شوقي ينسون دوره، ويقولون: الناس تحفظ شعر المتنبي وكذا وكذا، ونحن نقول: كل له دور، والأشياء إذا عتقت وقدمت صارت عيوبها نوعاً من القذاة، والنفس تنبهر أمام القديم ولا تستطيع أن تقربه، وهذا من قديم أصلاً، حتى أبو تمام لما ظهر تجنب بعض الناس أن يمدحه لأنه محدث، لكن الآن تمدحه الناس من غير روية، وكذلك شوقي لما ظهر.
ثم إن شوقي ظهر في فترة ظهرت فيها غالب علوم الأدب، وكان الناس غير منشغلين عن الشعر، والآن انصرف الناس عن الشعر وظهرت قنوات وقنوات وأمور أخريات، لكن المقصود أن شوقي رحمة الله تعالى والشعراء غيره ظلموا حين أعرض الناس عن الشعر وعن الرواية وعن الأدب وعن القصة، فضاع سوقهم، ومع ذلك يعتبر شوقي شاعراً حقاً.