المقدم: أنتقل إلى نموذج آخر في كتاب الله عز وجل، يقول عز من قائل:{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ}[الشورى:٤٩] إلى آخر الآية، ما سبب تقديم الإناث على الذكور في هذه الآية، وقبل ذلك ما سبب تصدير الآية بقوله تعالى:(لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ)؟ الشيخ: أما التصدير فإن الله أراد قبل أن يبين لخلقه أنه يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور: أن ملكه جل وعلا أعظم من ذلك، بل إن كل شيء تحت تصرفه وملكه تبارك وتعالى، وما إيتاء الإناث أو الذكور، أو تزويج الذكران والإناث أو جعل من يشاء عقيماً إلا واحدة من عظيم ملكه وجليل قدرته تبارك وتعالى، وتقديم الجار والمجرور فيه دلالة على الحصر:{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}[الشورى:٤٩].
ثم قال:{يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ}[الشورى:٤٩] ووالله إن الوصول إلى نيل رحمة الله إنما ينطلق أولاً من الإيمان بعظمة الله تبارك وتعالى.
قال الله:{يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ}[الشورى:٤٩] هذا موضع السؤال، نحن متفقون من حيث الجملة على أن الذكر أفضل من الأنثى، وأن لكل منهما خصائص:{وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى}[آل عمران:٣٦] والله يقول: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ}[النساء:٣٤] والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا) وعد، لكن هذا لا يعني بخسهن حقوقهن، بل يوجد نساء أفضل من الرجال، كما قال المتنبي: ولو كان النساء كمن فقدنا لفضلت النساء على الرجال فما التأنيث لاسم الشمس عيب ولا التذكير فخر للهلال الذي يعنينا: أن قدم الله الإناث للوصية بهن، وللاستئناس بهن، ولإظهار التيمن بهن، قال بعض العلماء: إن المرأة إذا كان بكرها أنثى دل ذلك على يمنها، ولا يعني ذلك أنه إذا كان أول مولود لها ذكراً أنه يكون شؤماً؛ لأن إثبات اليمن لأحد لا يعني نفيه عن الآخرين.
نأتي بمثال من الفقه: النبي عليه الصلاة والسلام قال: (اجعلوا آخر صلاتكم وتراً) ولم يقل: لا تصلوا بعد الوتر، فلو جاء إنسان وأراد أن يقوم الليل ولكنه خاف أن ينام فصلى وأوتر ثم نام، ثم قام من الليل وأراد أن يصلي فلا نقول له: لا تصلي؛ لكن نقول له: لا توتر، فهناك فرق بين قولنا:(اجعلوا آخر صلاتكم وتراً) وقولنا: لا تصلوا بعد الوتر.
ومثله عندما نقول: إن المرأة يدل على يمنها أن يكون أول مولود لها أنثى، ولا يعني هذا أن من كان لها أول مولود ذكراً أنها شؤم؛ لكن الأول ثابت بظاهر القرآن.
والإناث حجاب من النار، يقولون: رجل حملت امرأته ست مرات في كل حمل لها تضع أنثى، فلما حملت السابع هددها وتوعدها إن كان الحمل أنثى، أشرفت المرأة على أن تضع نام فرأى فيما يرى النائم أنه يساق إلى جهنم وجهنم لها سبعة أبواب، فلما ساقته الملائكة إلى الباب الأول وجد ابنته الأولى تصد الملائكة أن يدخلوه النار، وهكذا في الباب الثاني والثالث والرابع والخامس حتى أتي به إلى السادس فوجد ابنته تصد، فأتي به إلى الباب السابع فقام فزعاً وهو يقول: اللهم اجعله أنثى، اللهم اجعله أنثى! يقول الله:{وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}[هود:١٢٣] مناط الدين إذا فهم الإنسان أن الله له غيب السماوات والأرض، وإليه يرجع الأمر كله، فأقام التوحيد والفرائض على الوجه الأكمل، وأوكل أمره إلى الله، والإنسان لا يدري أين الخير: وما أدري إذا يممت أرضاً أريد الخير أيهما يليني أألخير الذي أنا أبتغيه أم الشر الذي هو يبتغيني إنما يميز بين من يعرف الله حقاً ومن لا يعرف الله حقاً عند حصول النعمة أو الابتلاء، فالأول إذا حصلت النعمة يتلقاها بقبول وهو يعلم أن هذه النعمة ليس له فيها حول ولا طول ولا قوة، وأنها رحمة من الله له فيسأل الله الشكر، {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ}[النمل:١٩] وإذا حصل الابتلاء فيما تكرهه النفس فإنه يرضى ويعلم أن رحمة الله به أكبر، ويصبر ويحاول أن يرتقي إلى مسألة الرضا ويظهر لله جل وعلا ما يحب، ويعلم أن الخير كله بيد الله جل وعلا والشر ليس إليه.