هذا من حيث المدخل للموضوع، على أن الحكمة تطلق بها ويراد بها غير الذي ذكرناه.
يقول الله جل وعلا:{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ}[الأحزاب:٣٤] والمقصود بالحكمة هنا السنة، أي: ليس لهذا المصطلح علاقة بالمصطلح الذي ذكرناه، وإن كانت معرفة السنة من الحكمة، لكن الله جل وعلا يقول:{وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}[البقرة:٢٦٩]، وهذا إخبار من الخالق جل جلاله على أن الإنسان إذا وفقه الله جل وعلا للحكمة في قوله وفعله فقد منَّ الله عليه بالخير الوفير، وما أجمله القران تبينه السنة، فالنبي صلى الله عليه وسلم أسري به ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، لكن ذلك الإسراء مر بخطوات قبل أن يركب عليه الصلاة والسلام البراق، وقد دل عليها ما ثبت في الأحاديث الصحيحة: فمنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم شق صدره، وأخرج قلبه، وملئ إيماناً وحكمة.
قال العلماء ممن شرح هذا الحديث من أئمة الدين: دل ذلك على أن الحكمة أفضل ما يعطاه الإنسان بعد الإيمان؛ لأن قلب النبي صلى الله عليه وسلم ما ملئ في تلك اللحظة التي هيئ فيها لأمر زائد في الرسالة ولرحلة عظيمة للملكوت الأعلى والمحل الأسمى إنما ملئ قلبه إيماناً وحكمة, فقالوا -أي أهل العلم-: إنه لو وجد شيء أعظم من الحكمة لملئ مع الإيمان، لكن لما قرن الله مابين الإيمان والحكمة في قلب نبيه صلى الله عليه وسلم بواسطة الملائكة دل ذلك على أن الحكمة لها منزلتها العظيمة عند الله جل وعلا، وهي من الخير العظيم الذي يؤتيه الله جل وعلا من يشاء من عباده، وهي متلبسة في أفعال الصالحين وأخبار المتقين.
هذا مجمل ما يمكن أن يقال في منطلق الأمر عن حاجة الناس لمعرفة الحكمة.