وإذا طمعنا في اللطائف فقد لا تكون في نفس السورة؛ لأن القرآن مليء غني باللطائف، يقول الله جل وعلا:{عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى}[عبس:١ - ٣].
الإنسان إذا قرأ هذه الآية يقع في نفسه شيء من الالتباس؛ لأن الله يقول:{وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ}[الحجرات:١١] فلماذا عبر القرآن عن عبد الله بن أم مكتوم بالأعمى؟ وكان بالإمكان أن يأتي قائل ويقول: لماذا لم يقل الله مثلاً: أن جاءه صاحبه، أن جاءه عبد الله بن مكتوم، أن جاءه السائل، لماذا قال الله: الأعمى، مع أن الكثير يتضجر إذا ناديناه بالأعمى؟ فلابد أن تكون هناك علة خفية، وهذه مهمة العلماء.
العلة الخفية هنا: أن الله أراد أن يمدح عبد الله بن أم مكتوم بهذا الوصف، كيف يكون هذا مدحاً له؟ يكون إذا عرف القارئ أن هذا الذي اقتحم على النبي صلى الله عليه وسلم مجلسه وهو يحاول مع صناديد قريش كان كفيف البصر لا يرى فوجد له عذراً، فـ عبد الله بن أم مكتوم الذي جعله يدخل بين النبي صلى الله عليه وسلم، وبين صناديد قريش وهو يدعوهم إلى الإيمان كونه لم ير النبي عليه الصلاة والسلام، وهو منشغل بأولئك القوم، فكان كونه كفيف البصر عذراً له في أن يقتحم على النبي صلى الله عليه وسلم ويسأله ويطلب الإجابة بإلحاح؛ فلهذا عبر الله جل وعلا بقوله:{عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى}[عبس:١ - ٢]؛ لأن الله قرر في كتابه: أنه ليس على الأعمى حرج، فيرتفع الحرج عن الأعمى، فتكون كلمة الأعمى هنا منقبة في ذكرها لـ عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه وأرضاه.