يقول الله:{أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ}[الغاشية:١٧] كيف ننظر في السماء ونحن لا نراها؛ لأن السماء سوداء وليست زرقاء؟
الجواب
هنا قضية مهمة، وأنا لا أريد أن أصطدم مع من يقولون بالإعجاز العلمي، فهم علماء أفذاذ لكن هناك نقطة أساسية: الله جل وعلا لا يحيل على مجهول في الغالب يعني: في الغالب لا بد أن تفهم الآية، مثلاً: الله يقول: {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ}[الذاريات:٢١] أتى بعض الفضلاء وأخذ يتكلم عن بدن الإنسان، من عدد المفاصل عدد الأعضاء عدد كريات الدم، وهذا حق موجود لكن لا ينبغي توجيه الآية في أول الأمر إلى ذلك، بسبب أن العرب المخاطبين بهذا القرآن أولاً لم يكن لهم علم بهذا كله، بل إن الأمم كلها مكثت قروناً لا تدري بذلك.
قد يأتي إنسان فيقول: القرآن مخاطب به كل شيء، فأقول: نعم، مخاطب به كل شيء، لكن المخاطب الأول هم الجيل الأول على حسب فهمهم وإلا لم تقم عليهم الحجة بقوله:{وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ}[الذاريات:٢١].
لكن قوله:{وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ}[الذاريات:٢١] المعنى الحقيقي للآية: أنه يعتري الإنسان نفسه كثير من التقلبات في الآراء والفرح والحزن والمسرة والصحة والمرض، مما يجعله يتفكر أن هناك رباً يدبر هذا كله.
وقوله:{أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ}[الغاشية:١٧] العرب ليس لها إلا هذا الجرم الواقف أمامها، ولا تدري ما بداخل الإبل؛ لكن التفكر في أنها كيف خلقت؟ هنا الخلق التسخير، فيأتي الصبي الصغير يقود هذا المخلوق العظيم في هيئته حيث شاء.
قوله:{وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ}[الغاشية:١٨] ذكر السائل ما يقوله العلماء؛ لكن لاشك أنه حتى الذين يقولون إنها سوداء فإن كل الناس تعلم أن هناك جرماً فوقنا، وأن هذا الجرم مغلق، يقول الله:{وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا}[الأنبياء:٣٢] ولو لم يكن هناك جرم ثابت ينظر إليه لكان لا بد من النظر إلى ما بعده مثل العرش، وهذا لا سبيل له؛ لأن السماء لها أبواب ولها سقف.
والقضية الأساسية في النظر إلى السماء ليست قضية ألوانها ولا غيرها، وإنما النظر إلى فعها من غير عمد.