الملقي: من المفترض أن يتوجه الجميع نحو العلماء باحترام بالغ، لكن للأسف الشديد هناك خاصة في الآونة الأخيرة هجوم يندى له الجبين على من هم ورثة الأنبياء.
الشيخ: العلماء ورثة الأنبياء، لكنهم ليسوا بمعصومين، وهذا أمر مقرر شرعاً كما تقدم قول مالك رحمه الله: ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر، وأشار إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وكان بجواره.
العلماء رحمة الله تعالى عليهم، الأصل أنهم أفنوا أعمارهم وقضوا أيامهم في الوصول إلى المقصود الشرعي وإلى معرفة مراد الله، ومراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليظهروه للناس حتى يتعبد الناس به ربهم، وهم في طريقهم هذا لم يخلوا من زلل.
فالمنصف من الناس من يغفر لهم تلك الزلة ويستر عنهم تلك الخلة، المقصود من هذا كله أن العاقل لا يجعل من أعراض العلماء طريقاً في الوصول إلى غضب الله جل وعلا وسخطه، وإنما إذا أمرنا بحسن الثناء على الناس عموماً فحق العلماء أوكد، قال الشاطبي رحمه الله: والواجب عند اختلاف الفهم إحساننا الظن بأهل العلم والمشكلة الكبرى: أن أكثر من يتجرأ على القدح في العلماء ليس من العلم في شيء، وأنا والله قبل فترة اتصل بي رجل فاضل إن شاء الله، يذكر أنه كان مجتمعاً مع بعض قرابته، وخلانه، وأصحابه، فتذاكروا شيخاً له فتوى معينة فكل أسهم بقوله، فكأنهم شعروا بالذنب، فربما قال قائلهم: فلنتصل، وهنا اتصلوا في الغالب ليجدوا مبرراً لهم في هذا الصنيع، أو يجدوا أحداً يبارك تلك الكلمات، فلما كلموني تحاشوا أن يذكروا اسم الشيخ، لكن أنا قلت لهم: أنتم تقصدون فلاناً؟ قالوا: نعم، قلت: دعك الآن من فلان، أنا أسألك بالله، كم جزءاً من القرآن تحفظ؟ فسكت.
قلت: تحفظ أربعة، ثلاثة، فلم يجب، قلت: ولا هؤلاء الذين معك، فقال فيما معناه: ولا هؤلاء.
فقلت: سبحان الله! يعني: أكثركم لا يكاد يحفظ ثلاثة أجزاء سوغ لنفسه أن يتكلم في عالم، نحن لا نقول: إن هذا العالم أصاب، لكن الذين يملكون الحق في الرد على العالم من كان مثله.
أما أنتم فينبغي أن يحفظ المرء منكم لسانه ويسكت، ولست ملزماً بفتوى زيد ولا عمرو، فإن كنت تراها خطأ فاسأل غيره ممن تثق به، ولا يكلفك الله جل وعلا بأكثر من هذا، لكن هذه مشكلة كبرى نعانيها في أن كثيراً من الناس يتصدرون للحكم على العلماء.
والمفترض أن من يحكم على غيره يكون إما موازياً له أو أحسن منه، لكن الذي يحدث أن الصغار يحكمون على الكبار، وقد نبه الأخيار إلى هذا من قبل: متى ترد العطاش إلى ارتواء إذا استقت البحار من الركايا وإن ترفع الوضعاء يوماً على الرفعاء من إحدى البلايا إذا استوت الأسافل والأعالي فقد طابت منادمة المنايا فإذا كان هذا قيل قديماً فما عسى أن يقال في عصرنا؟! لكن ينبغي على طلبة العلم أن يتقوا الله في إخوانهم من العلماء، وأن يراعوا أن لا يغرسوا في الطلاب ولا في العامة جرأة الحديث والتكلم على العلماء.
كما أنه ينبغي على العلماء الذين لهم بعض الفتاوى التي غالب الظن أنها بعيدة النزعة عن الصواب أن يحتفظوا بها قدر الإمكان، أو أن تقال في مجالس يمكن معها مناقشة القضية.