[كيف دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجنة]
المقدم: بعد هذا التحليل لكثير من القضايا وكثير من هذه النصوص دعني أنتقل إلى محور مهم جداً، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أفضل الدعاة الذين دعوا إلى الجنة وقد دعا إليها بأمور مختلفة في قضايا متنوعة، أتمنى لو تشير إلى هذه القضايا! الشيخ: ما دعا إلى الجنة أحد أكرم من الأنبياء، وأكرم الأنبياء نبينا صلى الله عليه وسلم، بل إن الله بعث الرسل مبشرين بالجنة ومنذرين من النار، والجنة جعلها النبي عليه الصلاة والسلام حجر الزاوية في دعوته، فلنأخذ عدة أمور: الأمر الأول: الأعمال الصالحة: دعا النبي عليه الصلاة والسلام إلى الأعمال الصالحة ثم ربط هذه الأعمال بالجنة قال عليه الصلاة والسلام مثلاً: (من بنى لله بيتاً ولو مثل مفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة) وقال: (من صلى لله اثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتاً في الجنة).
وقال: (من قرأ قل هو الله أحد عشر مرات في اليوم والليلة بنى الله له بيتاً في الجنة).
فهذه أعمال ربطها النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة.
إذاً أول معيار طرقه النبي عليه الصلاة والسلام في قضية الجنة أن جعلها مرداًً للأعمال الصالحة حتى يرغب الناس في العمل لدخول الجنة.
الأمر الثاني: تعظيم الجنة وتحقير الدنيا: النبي صلى الله عليه وسلم يزهد الناس في الدنيا، وإذا زهدهم في الدنيا فلا بد أن يضع بديلاً فوضع البديل الجنة، وهذا أسلوب القرآن: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ * قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ} [آل عمران:١٤ - ١٥]، أي: الذي مضى كله: {لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ} [آل عمران:١٥]، فجعلها الله جل وعلا بدلاً عن الشهوات الدنيوية.
أهدي له صلى الله عليه وسلم قطعة من حرير فجعل الصحابة يلمسونها ويتعجبون منها، فقال عليه الصلاة والسلام: (أوتعجبون من هذه، لمناديل سعد بن معاذ في الجنة خير منها)، إذاً: هنا ربط تحقير الدنيا بالمعيار الثاني وهو تعظيم الجنة.
دخل عليه عمر وقد أثر الحصير في جنبه فكأنه رق لحاله صلى الله عليه وسلم وقال ما قال، فقال عليه الصلاة والسلام: (أوفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ أولئك أقوام عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا).
يراهم يحملون الحجر فيقول عليه الصلاة والسلام: (اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة)، يذكرهم بالجنة وهذه هي الطريقة الصحيحة.
الأمر الثالث: جعل النبي صلى الله عليه وسلم الجنة جزاء للصابرين، فإذا رأى أحداً ممن ابتلي بصرف النظر عن نوع الابتلاء علق أمله بالجنة حتى يكون الطمع في دخولها عوناً له على البلاء الذي هو فيه، فمر عليه الصلاة والسلام على آل ياسر وهم يعذبون في أوائل العهد المكي فقال عليه الصلاة والسلام: (صبراً آل ياسر)، كلمة صبر وحدها لا تكفي، فقال بعدها: (فإن موعدكم الجنة)، فنزلت هذه الكلمة عليهم رضي الله عنهم وأرضاهم كالماء البارد، وفعلاً قتل ياسر وزوجته سمية والموعد الجنة كما أخبر صلى الله عليه وسلم.
يقول صلى الله عليه وسلم: (إن الله يقول: ما لعبدي إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم صبر واحتسب جزاء إلا الجنة)، فقبض الأصفياء -نسأل الله لنا ولكم العافية- أمر يحز في القلب ويورث الحسرة لكن النبي صلى الله عليه وسلم يعلق الأمر بالجنة حتى يكون هناك صبر ويكون هناك نوع من القدرة على تحمل ذلك الابتلاء، وهذا هو الأمر الرابع.
الأمر الخامس: الأخلاق الحميدة ونشرها في المجتمع: وله طرائق عدة، مثلاً الجدال والمراء يقول عليه الصلاة والسلام: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً)، فلما أراد من الناس أن يتركوا كثرة القيل والقال ويبعدوا عن الجدال الذي لا نفع فيه ذكر صلوات الله وسلامه عليه أنه زعيم أو كفيل ببيت في الجنة لمن تركه.
وقال: (أيها الناس! أطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام)، فجعل عليه الصلاة والسلام من الجنة رمزاً وطريقاً ومحوراً للدعوة، وكل دعوته تصب في هذا الباب؛ لأنها أعظم العطايا وأجل السخايا كما بينا في أول اللقاء.