[معنى آية الراسخين في العلم]
المقدم: إن الله عز وجل قبل أن يثني على الراسخين في العلم ابتدأ بالثناء على نفسه ثم تطرق إلى الثناء على الراسخين في العلم، نريد معنى الآية إجمالاً! الشيخ: قال الله جل وعلا: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [آل عمران:٧].
إنزال الكتاب من أعظم ما تمجد الله به وامتن به على خلقه، فالكتاب هنا القرآن: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ} [آل عمران:٧]، هذا الكتاب منه آيات محكمات وأخر -أي: غير المحكمات- متشابهات.
إذاً: في القرآن محكم ومتشابه، فالمحكم ما لا يمكن صرفه إلى غيره، فهو واضح الدلالة، مع خلاف العلماء في معنى المحكم لكن يفيء كله إلى هذا.
والمتشابه هو ما لفظه أو تركيبه يحتمل معنى يوافق المحكم ويحتمل معنى لا يوافق المحكم؛ لكن هذا الاحتمال ناجم من اللفظ والتركيب لا من المراد، وهذا القيد مهم جداً في فهم القضية، أعني أن لفظ المتشابه وتركيبه يختلف عن المحكم؛ فلا يظهر المراد لك جلياً كما يظهر في المحكم.
إذاً: المراد من المحكم ومن المتشابه واحد لكن لفظ المتشابه يختلف عن لفظ المحكم، فلفظ المتشابه يحتمل معاني أخر، لكنها غير مرادة، وهذا مهم جداً، ويتضح ذلك بمثال: قال الله تبارك وتعالى عن عيسى: {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء:١٧١] فجاء النصارى وقالوا: يقول الله: إن عيسى روح من الله فلم تعارضون أن عيسى ابن الله والله يقول: (وكلمة منه)؟ هذا المتشابه المراد منه واحد، وهو إثبات شرف عيسى، وهو المقصود من المحكم، فالذي فهموه غير مراد أبداً لكن اللفظ يساعد على فهمه لكن أتوا من أنهم لم يردوا المتشابه إلى المحكم، لهذا قال الله: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ} [آل عمران:٧].
ومعنى: ((هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ)) أي: أصل الكتاب، أي: أصل يرجع إليه.
وعندما نأتي لهؤلاء النصارى نقول: هذا المتشابه ردوه إلى المحكم، لأنا إذا رددناه إلى المحكم تتضح الصورة، والله يقول عن عيسى: {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ} [الزخرف:٥٩]، فهذه آية محكمة تبين أن عيسى عبد، وقال تعالى: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ} [المائدة:٧٥]، فهذه كلها آيات محكمات تدل على أن عيسى بن مريم عبد ورسول وبشر وابن لآدم، فنرد إليها المتشابه.
لهذا قال الله: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} [آل عمران:٧]، وقبل أن نتجاوز هذه النقطة نذكر أن البعض يسمع محاضرات بعض العلماء والدعاة فيأخذ المتشابه منها ويجعلها أصلاً وينسى أن للشيخ كلاماً محكماً لو التبس عليه بعض كلامه لوجب أن يرده إليه.
لأن المحاضر والمدرس عرضة لأن يخطئ عرضة لأنه لا يحسن التركيب وإن كان مراده صحيحاً، وسأقول لك قصة حصلت لي شخصياً: أنا كنت أتكلم في مسجد عن آية: {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} [يوسف:٢٨]، وأنها وردت في القرآن حكاية عن عزيز مصر ولم ترد في القرآن مسندة إلى الله، وهي من كلام الله.
فأنا أشرح الآية ولا أتكلم عن أسماء الله ولا عن صفاته، فما أحسنت اللفظ والتركيب فقلت: هذه جاءت على لسان العزيز وليست على لسان الله.
في اللفظ عندما قلت: (على لسان الله)، لكن ليس المراد من كلامي أن أثبت أن لله لساناً؛ لأن الله لا يوصف إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأتي إنسان في قلبه مرض ويقول: هذا لا عقيدة له.