الشيخ: نفس الإنسان أعظم ما يعنى به الإنسان: {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}[التحريم:٦]، {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ}[نوح:٢٨] هذه أمور مقررة.
ولكن كيف ينصف الإنسان نفسه؟! أن لا يحرمها من فضل، وأن لا يرضى لها بالدون، وأن ينظر إلى قمم المعالي فينافس فيها: إذا غامرت في شرف مروم فلا تقنع بما دون النجوم فطعم الموت في أمر حقير كطعم الموت في أمر عظيم لكن كذلك من ذل النفس، أن تكلفها ما لا تطيق، وأن تقتحم بها لججاً لم تخلق لها، وأن تركب سنناً لست من ركبانها، وإن قيمة كل إنسان فيما يحسنه من العمل، فإذا جاء إنسان ليس النحو من صنعته، وأراد أن يتشدق بكلمات عربية فهذا يظهر عيبه، إنسان ليس من بضاعته العلم الشرعي، فأراد أن يجادل فيه فيكشف سوءة أخرى فيه وهكذا.
العاقل يعرف أين قدراته، أين مكمن القوة من نفسه، ثم يسير على مكمن القوة من نفسه فينميه ويطوره ويسأل الله التوفيق والسداد، هذا من أعظم إنصاف النفس.
كذلك من هضم النفس والإجحاف في حقها بأن تعرف أن لديك قدرات، لديك مواهب ثم تقنع بما فيه أقرانك حباً في القرب منهم، والركون إليهم وتحرم نفسك من أشياء عظيمة يمكن أن تحققها، وآمال جليلة يمكن أن تدركها؛ كل ذلك مراعاة لمن حولك، لا تريد أن تفارقهم، ولا تريد أن تهجرهم، أمثال هؤلاء لا يصلون إلى المعارف؛ لأن أول قضية الرحيل التنقل عمن هو سبب في تثبيطنا، والطغرائي يقول: إن العلى حدثتني وهي صادقة في ما تحدث أن العز في النقل لو أن في شرف المأوى بلوغ منى لم تبرح الشمس يوماً دارة الحمل وإنما رجل الدنيا وواحدها من لا يعول في الدنيا على رجل فالمقصود: هذا باب إنصاف النفس، وأعظم الإنصاف إلى النفس أن يجعلها الإنسان على صراط الله المستقيم، لا تريد إلا وجه ربها، ولا تخشى إلا ذنبها، ولا تريد شيئاً أعظم من الجنة، ولا ترهب شيئاً أذل من النار.