الملقي: صاحب الفضيلة! موضوع هذه الحلقة (الإنصاف) يدعي الكثير من الناس أنه يتصف بهذه الصفة، ولكن في محك التعاملات يتبين هل هذا الإنسان في هذه الحالة أو في هذه الدرجة الرائعة أو لا؟ الإنصاف مفردة كبيرة جداً، قد تكون مرادفة أو مقاربة لمفردة العدل، أحياناً يخلط الكثير من الناس بينهما فنريد فضيلة الشيخ بيان المقصود من الإنصاف.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام رسول الله، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.
نقول مستعينين بالله جل وعلا: الإنصاف مفردة يتغنى بها الأكثرون، كل يريد أن يكون رجلاً منصفاً.
الفرق بين الإنصاف والعدل: أنه إذا كان الحكم على الأشياء بناءً على معايير وقوانين خارجية فهذا عدل، وإذا كان الحكم يخرج من النفس دون أن يكون بين أكثر من شخص، فهذا يسمى إنصافاً.
مثلاً: الرجل المتزوج أكثر من امرأة لديه ضوابط شرعية في التعامل معهن، وقد رخص الله له في قضية الفراش، ورخص الله له في قضية المحبة القلبية التي لا يملكها، وما سوى ذلك فهو مطالب بالعدل، فالعدل: أن يساوي بينهن في النفقة وفي المبيت وفي غير ذلك.
هذه المسألة تسمى عدلاً، ولا يسمى ذلك إنصافاً، لكن من يتعامل مع شخص لوحده ولا توجد معايير خارجية وقوانين خارجية تحكم التعامل إلا مقدار ما يتحلى به من أخلاق وصفات وخصائص -كما سيأتي بيانها- فإذا أجحف إما أن يجحف وإما أن يغلو، فإذا أصاب الكبد الحقيقة سمي هذا إنصافاً.
المعلم الذي لديه في فصله طلاب وعنده معايير في درجات أعمال السنة فالعدل: أن يطبق تلك المعايير على كل أحد دون تفرقة، فهذا لا يسمى إنصافاً ويسمى عدلاً، لكنه تعامله البيتي الذي فيه روح الحماس مع الطالب الجيد يعاتبه إن كان دون ذلك، هذا حكمه على الطالب حكماً عاماً من غير تقييم عندما يسأله والده ومديره أو شخص آخر، هنا يحتاج المرء إلى مفردات الإنصاف ويحتاج إلى خصائص عامة.
يقولون في قضايا الإنصاف: الإنسان يحتاج إلى من ينصف، وأكثر الناس حاجة إلى أن ينصف من كان في رفعة ثم ابتلي فأصبح في أقل منها، تقول: بنت أحد المناذرة الذين كانوا يحكمون الشام قبل الإسلام: فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا أصبحنا فيهم سوقة نتنصف نتنصف: نطلب من الناس أن ينصفونا، فنحن انتقلنا من درجة الملوك إلى درجة السوقة والفرزدق يقول مفتخراً: ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا وإن نحن أومأنا إلى الناس وقّفوا إلى أن قال: فلا عز إلا عزنا قاهر له ويسألنا النصف الذليل فينصف الذليل: فاعل (يسأل)، وما قبلها مفعولين قدما ونصبا، والمعنى: أن الذليل من الناس يطلب منا أن ننصفه بقدرتنا على الإنصاف ورد اعتباره فننصفه، هذا تحرير الخطاب فيما يغلب على الظن بين الإنصاف والعدل.
الملقي: أليس بينهما عموم وخصوص؟ الشيخ: ممكن أن يكون الإنصاف نوعاً من العدل فالعدل أعم لكن الإنصاف كما قلت يكون في شيء واحد بخلاف العدل.