المقدم: قوله صلى الله عليه وسلم: (أنا أول من ينشق عنه القبر) كلمة: أول، الملاحظ لمن يطلع في كتب التاريخ والسيرة أنها تتكرر كثيراً: أول من فعل كذا، وأول من عمل كذا، فما تعليقكم على ذلك؟ الشيخ: الأولية تنقسم إلى ثلاثة أقسام: منها ما ثبت شرعاً بخبر صحيح، فالله جل وعلا يقول مثلاً في قضية يحيى عليه الصلاة والسلام:{لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا}[مريم:٧]، فلو جاء إنسان وقال: إن يحيى هو أول من سمي بهذا الاسم لقلنا: صواب؛ لأن الله قال هذا في كتابه، ولو جاء إنسان وقال: إن هاجر أم إسماعيل هي أول من اتخذ المنطق الذي يضعه النساء في الوسط، فهذا ثابت في حديث عند البخاري.
فهناك أمور ليست قابلة للرد شاعت وذاعت ولا يمكن ردها، فنقبلها في الأولية.
وهناك أمور لا زالت محل خلاف بين الناس، مثلاً: من أول من يأخذ كتابه بيمينه؟ وأول من يأخذ كتابه بشماله؟ فهذه فيه خلاف طويل، فمما هو شائع عند أهل السير أن أول من يأخذ كتابه من هذه الأمة بيمينه هو أبو سلمة بن عبد الأسد رضي الله عنه وأرضاه، وهو أول من هاجر واستوطن قباء، فهذا قيل: إنه أول من يأخذ كتابه بيمينه، وعلى النقيض منه أخوه الأسود بن عبد الأسد فقيل: إنه أول من يأخذ كتابه بشماله، والأسود هذا يمر مع طالب العلم في السيرة، فلما يقرأ غزوة بدر يرى أن الأسود هذا أقسم على أن يصل إلى الآبار التي على المسلمين ويشرب منها، فقطعت رجله دون أن يصل إلى البئر، قطعها حمزة أو أحد المسلمين، مع أنهما أخوان، واحد أول من يأخذ بيمينه، والآخر أول من يأخذ بشماله، ولهذا قال الله جل وعلا:{إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}[الليل:٤].