للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالسبب أنهم سألوا هذا السؤال العجيب، {نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا} إذًا هم جياع، وهو يشبه من بعض الوجوه وإن كان أحسن منها، ما قاله قوم موسى له: {فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا} [البقرة: ٦١]، لكن هؤلاء طلبوا شيئًا ينزل من السماء، قالوا: {نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا} ثانيًا: {وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا} (تطمئن): تستقر ولا يكون فيها قلق ولا ريب، هذا الغرض الثاني، الثالث: {وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا} كيف نعلم أن قد صدقتنا؟ نعم هو قال لهم: إنه رسول الله، فإن جاء بآية بينة فقد صدقهم وإن لم يأتِ فلم يصدقهم، لكن كيف يقولون: ونعلم أن قد صدقتنا وهم قد صدقوه؟ هذا إشكال لكن الجواب: إما أن المعنى: ونزداد علمًا أن قد صدقتنا، ولا شك أنه كلما وجدت الآيات الدالة على صدق القائل ازددت علمًا بصدق القائل، أو يكون بعضهم عنده تردد، والعلم ينفي الشك والتردد، ولكن أيما أولى الإحسان بهم ظنًّا ونقول: نعلم أي: نزداد علمًا، أو نقول: لعل بعضهم عنده تردد؛ الأول أحسن، {وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا} أي: أخبرتنا بالصدق، يقال: صدق بمعنى: أخبره بالصدق، ويقال: صدق بمعنى: أتى بما وعده به، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} [آل عمران: ١٥٢]، يعني: تقتلونهم، بمعنى أتى بما وعد به، ويقال: صدقه؛ إذا أخبره بالصدق وإن لم ياتِ بما أخبر به، كقوله - صلى الله عليه وسلم - في الشيطان: "صدقك وهو كذوب" (١).


(١) رواه البخاري، كتاب الوكالة، باب إذا وكل رجلًا فترك الوكيل شيئًا فأجازه الموكل فهو جائز، وإن أقرضه إلى أجل مسمى جاز، حديث رقم (٢١٨٧) عن أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>