للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لعله رحمه الله يرى أنه مستثنى وليس له وجه، وهذا رأي الجمهور وهو الصواب.

* * *

° قال الله عز وجل: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١١٨)} [المائدة: ١١٨].

قوله: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} بمعنى: إن تقدر لهم ما يستحقون أن يعذبوا عليه فإنهم عبادك، وليس المراد أنه يعذبهم بدون جرم، فإنه سبحانه وتعالى منزهٌ عن ذلك غاية التنزيه، لقول الله تعالى: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: ٤٩]، ولقوله: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: ٤٦]، لكن المعنى: إن تعذبهم بأن تُقَدِّرَ عليهم ذنبًا يكون سببًا للعذاب فإنهم عبادك، ومع هذا نقول: إن الله تعالى لن يقدر لهم ذنوبًا يستحقون عليها العذاب إلا إذا علم ما في قلوبهم من الإعراض وعدم قبول الحق، قال الله تبارك وتعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} [المائدة: ٤٩]، فالذنوب سبب للإعراض والعياذ بالله، وقال الله عزّ وجل: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف: ٥]، إذًا: كلمة: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ} لا بد لها من مقدمات:

الأولى: فعل ما يستحقون عليه العذاب.

الثانية: أنه يقدر لهم ما يحصل به العذاب؛ لأنهم أهل لذلك، إذ إن الله تعالى وعد فقال: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (٧)} [الليل: ٥ - ٧]، لكن الذنب ذنب العبد، {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ} [الأنفال: ٢٣].

وقوله: {فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} هذه المراد بها العبادة الكونية لا الشرعية؛ لأن العبد بالعبودية الشرعية لا يستحق أن يعذب، ولكن

<<  <  ج: ص:  >  >>