وبنو النضير، هل قتلهم الرسول عليه الصلاة والسلام؟ لم يقتلهم مع أنهم نقضوا العهد الذي بينهم وبين الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذا نوع من العفو والصفح، وبنو قريظة أيضًا في الواقع أنه عفا عنهم؛ لأنه أنزلهم على حكم من رضوا حكمه، أنزلهم على حكم سعد بن معاذ وهذا نوع من العفو، وإلا لكان الرسول وضع فيهم السيف؛ لأنهم خانوا النبي عليه الصلاة والسلام وألبوا الأحزاب عليه، ومع هذا أنزلهم على حكم سعد بن معاذ الذي رضوه، فتكون الآية الآن محكمة، ويكون المراد بالعفو ليس العفو الكامل الذي يقتضي عدم عقوبتهم بأي عقوبة، ولكنه عفو جزئي، ولا شك أن هذا خير من القول بالنسخ، بل القول بالنسخ مع إمكان الجمع محرم؛ لأنه يعني إبطال النص الذي اُدعي أنه منسوخ كما تقدم.
قوله:{فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ}"العفو": ترك المؤاخذة على الذنب، "والصفح": الإعراض عنه، ولا يلزم من العفو الصفح، لكن في الغالب أنه يلزم من الصفح العفو، مثال ذلك: رجل أساء إليك فعفوت عنه ولم تقتص منه، هذا عفو، فإن أعرضت ولم تتكلم فيما جرى منه أبدًا فإن هذا يسمى صفحًا.
قوله:{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} هذا كالتعليل لما سبق أي: إنما أمرناك بالعفو والصفح؛ لأن الله تعالى يحب المحسنين، وفيه أيضًا أنه إذا كان الله يحب ذلك فلا تتأخر في العمل به.
[من فوائد الآية الكريمة]
الفائدة الأولى: إثبات الأسباب لقوله: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ} وجه ذلك: لأن الفاء والباء دلَّا على السببية.