ذهب كثير من المفسرين إلى أن هذه الآية منسوخة بآية السيف أي: بالآيات التي تأمر بقتالهم. وما أكثر الناس الذين إذا أعياهم الجمع بين النصوص قالوا: هذا منسوخ، فيكون كثير من الشريعة منسوخًا، مع أن بعفالعلماء والمحققين يقول: أن كل النسخ لا يتجاوز عشرة أحكام، وعلى كل حال نحن نقول: إن بعض العلماء قال: إن هذه الآية منسوخة، وفي هذا إشكال؛ أي: أن تكون منسوخة.
أولًا: لأننا لا نعلم التاريخ، ومن المعلوم أن من شرط النسخ العلم بالتاريخ حتى نعلم أن هذا بعد هذا فيكون ناسخًا له.
ثانيًا: من شرط النسخ أيضًا: أن لا يمكن الجمع فإذا أمكن الجمع فلا نسخ؛ لأنه إذا أمكن الجمع وقلت: هذا منسوخ، فإن هذا إلغاء للنص الآخر وإلغاء النص ليس بهين، فكونك تقول: هذا بَطَلَ حُكْمُه وهو ثابت بالقرآن والسنة ليس بهين، ولذلك لا يجوز الإقدام على دعوى النسخ إلا بدليل لا مفر منه، ومتى أمكن الجمع فإن القول بالنسخ محرم؛ لأنه كما تقدم إبطال لأحد الدليلين، وهذا صعب أن يكون دليل ثابت ثم تدعي أنه بَطَلَ.
ثانيًا: أن سورة المائدة من آخر ما نزل حتى قال بعض أهل العلم: إنه لا نسخ فيها، وأن جميع الأحكام الموجودة فيها محكمة لا منسوخة، وهذا مشهور عند أهل العلم.
إذًا دعوى النسخ غير صحيحة، يبقى عندنا الجمع، جمع بعض العلماء بين هذا وبين الأمر بالقتال، أن الرسول عليه الصلاة والسلام عفا عن الذين خانوا وعن الذين نابذوه، عفا عنهم: أي خفف عنهم العقوبة فلم يقتلهم عليه الصلاة والسلام. فبنو قينقاع،