جبل رضي الله عنه حينما لم يبلغ قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "حق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به"(١) لم يبلغها إلا عند موته تأثمًا، وإلا فالأصل وجوب الإبلاغ، أما إذا سئل الإنسان عن العلم، فهذا كان السائل مسترشدًا وجب أن يُبَلَّغ السائل، وأما إذا كان ممتحنًا فإن الإنسان بالخيار إن شاء بلغ وإن شاء منع؛ لأن هذا السائل غير مسترشد، لا يريد العلم، يريد أن يمتحن هذا المسؤول فهو بالخيار، وهل الأفضل أن يبلغ أو الأفضل ألا يبلغ؟ في هذا تفصيل: إن كان هذا السائل إذا تُرك صار في ذلك إذلال له وخزي فليتركه، وإن كان إذا ترك ازداد شره وطغى طغيانه فإنه يجب أن يبلَّغ ويبيَّن له ضلاله، فالمسألة يرجع فيها إلى المصالح، فإن قلت: ما هو ميزان المصالح؟ قلنا: كل إنسان مسؤول عن نفسه، وكل قضية لها حكم، ولهذا أحيانًا يمر في بعض الإجابات عن بعض الأدلة، يقال في بعضها إنها قضية عين، كل إنسان حسب ما يراه والله حسيبه.
قوله:{قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ} قل يا محمد {لَا يَسْتَوِي} وتصدير الحكم بـ"قل" يدل على العناية به؛ وذلك لأن
(١) رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب اسم الفرس والحمار، حديث رقم (٢٧٠١)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعًا، حديث رقم (٣٠) عن معاذ بن جبل.