لكنهم ينكرونها إنكار تأويل، ويقولون: إن الرحمة هي الثواب أو إرادة الثواب، والمعلوم أن الثواب شيء منفصل عن الله عزّ وجل مخلوق بائن من الله، وإرادة الثواب صفة في ذات الله، لكن هم يُقرون بالإرادة أي: يثبتون الإرادة التي هي إحدى الصفات السبع، وعجبًا أنهم يثبتون الإرادة بطريق خفي، وينكرون الرحمة مع أن طريقها واضح، في الإرادة يقولون: نحن نستدل بأن الله مريد بالتخصيص، يعني كونه يخصص مثلًا الإنسان على هذا الوجه، يعني مستطيل القامة، له عقل وإرادة، وما أشبه ذلك، وخصص البعير بخصائصه، والشمس بخصائصها، والقمر بخصائصه، هذا يدل على الإرادة، يعني لولا الإرادة لكانت المخلوقات كلها سواء. فهم يقولون: التخصيص يدل على الإرادة، ودلالة التخصيص على الإرادة دلالة خفية لا يعرفها كل إنسان، حتى طلاب العلم لا يعرفونها إلا إذا قرؤوها، لكن دلالة النعم على الرحمة واضحة، كلّ يعرف أن من رحمة الله أن جعل الليل والنهار، وجعل الأمطار والأنهار وغير ذلك، يعرفها الخاص والعام.
والعجيب أنهم يقولون: الرحمة لا نُثبتها لانتفاء دلالة العقل عليها، والإرادة نثبتها لدلالة العقل عليها، فيقال: سبحان الله، أيما أبين دلالة العقل على الرحمة أو على الإرادة؟ ! دلالة العقل على الرحمة بلا شك.
[من فوائد الآية الكريمة]
الفائدة الأولى: حث الإنسان على التوبة حتى لو ظَلَمَ، لقول الله تعالى: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ