الرسل مسرفون متجاوزون للحد، ومن أمثله ذلك أنهم كانوا يقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس، ويقدحون في الرسل، ويؤذون رسولهم الخاص الذي أرسل إليهم وهو موسى، كما قال الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا}[الأحزاب: ٦٩] ويتفرع على هذه الفائدة: العلم بشراسة بني إسرائيل وأنهم أهل الغطرسة والاستكبار والتكذيب، وما زالوا إلى يومنا هذا على هذا الوصف.
الفائدة التاسعة عشرة: أنه إذا دعت الحاجة إلى تأكيد الخبر فإن الفصاحة تدعو إلى تأكيد الخبر، والمقام يدعو إلى توكيد الخبر، وإن كان المخبر من أهل الصدق، حتى يطمئن المخاطب، فإن قوله:{ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ} أُكِّدَ بمؤكدين وهما: "إنَّ" والثاني: "اللام".
قوله:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} إنما: أداة حصر، والحصر يفيد إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما سواه، فإذا قلت: لا قائم إلا زيد، أثبت القيام لزيد ونفيته عمن سواه، وإذا قلت: إنما القائم زيد، أثبت القيام لزيد ونفيته عما سواه،