واعلم أن "إنما" لا يليها إلا المحصور كلما جاءت، فإذا قلت: إنما القائم زيد، حصرت القيام في (زيد)، وإذا قلت: إنما زيد شجاع، حصرت زيدًا في الشجاعة؛ لأنها أبرز أخلاقه.
وقوله:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}"يحاربون": فعل يدل على المشاركة؛ لأن "فَاعَلَ" تدل دائمًا على المشاركة وقد لا تدل عليه.
فقول القائل: سافر زيد، هذا ليس فيه سفر من الجانيبن، لكن قاتل، وضارب، وشاتم، وما أشبهها كلها تدل على المشاركة، فالغالب في هذا الفعل أنه دال على المشاركة، فمعنى {يُحَارِبُونَ اللَّهَ}، أي: يتصدون لحرب الله عزّ وجل، وهل المعنى أنهم يحملون السلاح على الله؟ كلا، المعنى: أنهم يضادون الله في أمره، فيفعلون ما نهى الله عنه، ويتركون ما أمر به على وجه الاستكبار والعناد وهذه محاربة، ويحاربون الرسول قد نقول أيضًا: إنه يمكن أن يشمل الحرب بالسلاح والحرب بالرفض لما دعا إليه، لكن بالنسبة لله عزّ وجل لا يشمل الحرب بالسلاح؛ لأن هذا غير واقع ولا يمكن أن يقع.
قوله:{وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} أي: يفسدون في الأرض على وجه الإسراع، لقوله:{وَيَسْعَوْنَ} والسعي بمعنى: الإسراع، أي: أنهم يسرعون إلى الفساد في الأرض، وذلك لزعزعة الأمن والتسلط على الناس، وأخذ الأموال، وقتل النفوس، ولهذا قال العلماء: إن هذه الآية نزلت في المحاربين الذين هم قطاع الطريق.