الأكمه والأبرص، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - بعث في قوم قويت فيهم البلاغة وانتشرت، وصاروا يتفاخرون، فجعل الله أعظم آياته عليه الصلاة والسلام القرآن الكريم الذي لا يمكن للبشر أن يأتوا بمثله بل ولا الجن قال تعالى:{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}[الإسراء: ٨٨].
ثم بعد هذه البينات الواضحات التي أتت على مهل {إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ} أي: بعد إتيان الرسل بالآيات البينات الواضحات، يكون كثير منهم مسرفين في الأرض.
وإعراب {لَمُسْرِفُونَ}: خبر "إن" و"اللام" لم تمنع عمل ما بعدها فيما قبلها؛ لأن {فِي الْأَرْضِ} متعلق بـ {مسرفون}، والمعروف أن لام الابتداء لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، لكن قالوا: إن "اللام" هنا مزحلقة، والأصل أن تقع قبل "إنَّ"، لكن كره العرب أن يجتمع مؤكدان في محل واحد -كما يقول النحويون- فزحلقوا اللام حتى وضعوها في الخبر، ولذلك صح أن نقول: إن قوله: {فِي الْأَرْضِ} متعلق بـ "مسرفون"، والإسراف: هو تجاوز الحد بتعدي حدود الله عزّ وجل وانتهاك حرماته وعدم المبالاة بتكذيب الرسل وقتلهم.
[من فوائد الآية الكريمة]
الفائدة الأولى: إثبات العلة للأحكام الشرعية، لقوله:{مِنْ أَجْلِ} وهذه من أقوى صيغ التعليل، وإثبات العلة والحكمة لا شك أنها من كمال الله عزّ وجل، فالله تعالى لا يشرع شيئًا إلا لحكمة،