للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: {فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ} "مَن" هنا: شرطية جوابها {فَقَدْ ضَلَّ}، أي: فمن كفر بعد هذا الميثاق ولم يقم بما واثق الله عليه {فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}، "الضلال": بمعنى الضياع والتيه، يعني تاه عن الصراط المستقيم، و {سَوَاءَ السَّبِيلِ} أي: مستقيمه الموصل إلى المراد، وهذا من باب إضافة الموصوف إلى صفته.

[من فوائد الآية الكريمة]

الفائدة الأولى: تذكير هذه الأمة وتذكير بني إسرائيل بما أخذه الله عليهم من الميثاق، أما تذكير بني إسرائيل فالأمر فيه واضح، لقوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ}، وأما تذكيرنا نحن الأمة الإسلامية؛ فلأنه ليس بين البشر وبين الخالق عهد يتضمن المحاباة إلا تفضلًا من الله عزّ وجل، فإذا قمنا بما أوجب الله علينا فلنا الأجر مرتين، حسب ما جاءت به النصوص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (١).

الفائدة الثانية: ذكر الله نفسه بالغيبة تعظيمًا وتكبيرًا له جلَّ وعلا، وجه ذلك قوله: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ} ولم يقل: "لقد أخذنا"، وهذا كما يقول الملك لجنوده إن الملك يأمركم أن تفعلوا كذا لا يقول: إني آمركم، ونظير هذا قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: ٥٨].

الفائدة الثالثة: أن من أساليب البلاغة الانتقال من أسلوب


(١) انظر: صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب في المشيئة والإرادة، حديث رقم (٧٠٢٩) عن ابن عمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>