للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أحسن اضطراد الأنهر تحت الأشجار الظليلة والقصور الفخمة العظيمة، لها منظر لا يتصوره الإنسان في الواقع، هذه الأنهار ليست كأنهار الدنيا، أنواعها أربعة: {أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} [محمد: ١٥] يعني: لا يمكن أن يتغير وأنهار الدنيا تتغير، والثاني: {وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} [محمد: ١٥]، بل هو من أحسن ما يكون مذاقًا: {وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ} [محمد: ١٥]، وقد نفى الله عنها الغول، قال تعالى: {لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (٤٧)} [الصافات: ٤٧]، وقال {وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى} [محمد: ١٥]، نقي ليس فيه شيء مما يكون في عسل الدنيا، هذه أنهار أربعة تجري جريان.

الماء: ربما يتصور الإنسان كيف يجري، وكذلك اللبن الذي لم يتغير طعمه؛ لأن اللبن جارٍ، والخمر قد يتصور جريانه وقد لا يتصور؛ لأن الخمر ليس كله سواء، الرابع: العسل في تصورنا الآن أنه لا يمكن جريانه لكنه في الجنة نهر يجري، ثم إن ابن القيم رحمه الله ذكر في النونية أن هذه الأنهار تجري بغير أخدود، فقال:

أنهارها من غير أخدود جرت ... سبحان ممسكها عن الفيضانِ

الله أكبر! النهر يجري ليس له أخدود يمنعه أن ينحرف يمينًا ويسارًا ولا حفر له على سطح مكان، ومع هذا أيضًا لا يجري إلا حيث شاء صاحبه، يصرفه كيف شاء ليس هناك عمال ولا عوامل وإنما هي: إرادات، قال تعالى: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزخرف: ٧١]، إذًا هنا ميثاق بين متعاقدين: عمل يسير في مقابل ثواب كثير.

<<  <  ج: ص:  >  >>