للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم قال: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (٦٢)} [الرحمن: ٦٢] يعنى سواهما لكن أيهما أشرف الأوليان أو الأخريان؟ الجواب: الأوليان، وابن القيم في النونية ذكر أن الفروق عشرة، لكن قال النظم يعييني أن أسوقها، إذًا تجمع الجنة على جنات باعتبار الأنواع وتفرد باعتبار الجنس.

وقوله: {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} لو أننا فسرنا، جنات بما نفسر به الجنات في الدنيا، وقلنا: الجنات: بساتين كثيرة الأشجار كثيرة الثمار، لم يذهب الذهن بعيدًا ولاستقلَّ نعيم الآخرة، لكن إذا قلنا: الجنة هي الدار التي أعدها الله تعالى لأوليائه -اللهم اجعلنا منهم- فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، أيهما أشد هزًا للمشاعر؟ الثاني بلا شك.

ولهذا قد نعتب على بعض الناس أن يفسر جنة المأوى بأنها البستان الكثير الأشجار، وأنها سميت بذلك لأن أشجارها ملتف بعضها إلى بعض فهي تستر من فيها، نقول: هذا لا شك أنه يقلل من تخيل الجنة وأنها شيء عظيم، فنقول: الجنة: هي الدار التي أعدها الله تعالى لأوليائه، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر؛ هذا يهز المشاعر ويوجب أن يسارع الإنسان ويسابق إليه.

وقوله: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} معلوم أنه ليس المراد من تحت أرضها؛ لأن النهر إذا جرى من تحت الأرض فأي فائدة فيه؟ ولهذا لا ننتفع بالأنهار الجوفية، ولكن المراد بقوله: {مِنْ تَحْتِهَا} قال العلماء: أي: من تحت قصورها وأشجارها، وما

<<  <  ج: ص:  >  >>