للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: {لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} أَجْعَلُهَا مكفرة بالحسنات التي فعلت من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والإيمان بالرسل وتعزيرهم، وإقراض الله قرضًا حسنًا، فالسيئات تكفر بهذه الحسنات.

قوله: {وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} هذه معطوفة على قوله: {لَأُكَفِّرَنَّ} وإذا جمعت بينها وبين أكفر، صار بها النجاة من المرهوب وحصول المطلوب، النجاة من المرهوب في قوله: {لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}؛ لأنها إذا كفرت لم يعاقب عليها، وحصول المطلوب، في قوله: {وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}، وبالتتبع والاستقراء، نجد أن أغلب ما يكون تقديم النجاة من المرهوب، ليرد المطلوب على محل خالٍ مما يرهب، فتكون التصفية قبل التحلية؛ يعني: صَفِّ الشيء قبل أن تحليه، اكنس المكان قبل أن تفرشه، وتأمل الآن في القرآن والسنة وفي غيرهما أيضًا، تجد أن النفي غالبًا يكون مقدمًا على الإثبات: فكلمة الإخلاص "لا إله إلا الله" قدم فيها النفي على الإثبات؛ ليرد الإثبات على مكان خالٍ من الشوائب.

وقوله: {وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} {جَنَّاتٍ}: المراد بها جنة المأوى، وهي كما نرى تذكر أحيانًا مفردة، وأحيانًا مجموعة، قال تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا} [الحديد: ٢١]، "جنة": هنا مفردة، وتأتي جنات كثيرة مجموعة، فإفرادها باعتبار الجنس وجمعها باعتبار النوع؛ لأن الجنة أنواع، وقد ذكر الله تعالى في آخر سورة الرحمن أربعة أنواع، قال تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (٤٦)} [الرحمن: ٤٦]،

<<  <  ج: ص:  >  >>