والمعنى الثاني:{بِالْغَيْبِ}، أي: حال غيابه عن الناس، مثل أن يكون في ليل أو في ظل شجرة أو من وراء أكمة أو في مجرى سيل أو نحو ذلك فقوله:{بِالْغَيْبِ} أي: بغيبه عن الناس؛ لأن من الناس من يُظهر مخافة الله ظاهرًا ولكنه باطنًا لا يخاف الله عزّ وجل، والذي يُمدح من يخاف الله بالغيب، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١٢)} [الملك: ١٢].
قوله:{فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ} أي: فمن اعتدى على محارم الله عزّ وجل بعد أن بيّن الله له الحكم فله عذاب أليم، أي: عذاب مؤلم إما في الدنيا وإما في الآخرة.
[من فوائد الآية الكريمة]
الفائدة الأولى: بيان امتحان الله تبارك وتعالى لعباده بتيسير أسباب المعصية لهم ليعلم من يخافه بالغيب ومن لا يخافه إلا في العلانية، وجهه من الآية ظاهر:{لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ}.
الفائدة الثانية: فضيلة الصحابة رضي الله عنهم، الذين هم مُقَدَّمُ هذه الأمة، وذلك بخوفهم من الله وعدم تحيلهم على محارم الله وعدم انتهاكهم لحرمات الله، فإن هذا الصيد الذي ابتلوا به، وقع ذلك فعلًا، لأن الله أخبر بأنه سيفعل وفعل عزّ وجل، لكن لم يذكر عن واحد منهم أنه أخذ صيدًا واحدًا، خافوا الله عزّ وجل وعظموا محارمه، وهذا فضل عظيم لهذه الأمة.
الفائدة الثالثة: أن هذه الأمة تفضل سائر الأمم وعلى رأسهم الأمة اليهودية، لأن الأمة اليهودية ابتلاهم الله تعالى بنحو