للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: {مَا يُرِيدُ} الإرادة هنا تشمل الإرادة الكونية والشرعية، فالكونية باعتبار كون الحكم كونيًّا، والشرعية باعتبار كون الحكم شرعيًّا، وحينئذٍ لا بد أن نفرق بين الإرادتين الكونية والشرعية، والفرق بينهما: أن الكونية بمعنى المشيئة، فتتعلق بما يحبه الله وما لا يحبه الله، ويقع فيها ما أراد الله عزّ وجل بكل حال، وأما الشرعية فهي التي بمعنى المحبة، فمعنى يريد أي: يحب، فتتعلق بما يحبه الله فقط، وقد يقع فيها المراد وقد لا يقع، فهذا هو الفرق بين الإرادتين الكونية والشرعية.

لو قال قائل: إيمان أبي بكر الصديق رضي الله عنه وكفر أبي لهب هل وقعا بإرادة الله الكونية أم الشرعية، وكذلك إيمان أبي طالب هل هو مراد كونًا أم شرعًا؟

الجواب: إيمان أبي بكر وقع بإرادة الله الكونية والشرعية، وأما كفر أبي لهب فواقع بالإرادة الكونية فقط؛ لأن الله لا يريد الكفر شرعًا، لكن قدرًا يريده لحكمة، وأما إيمان أبي طالب فهو مراد شرعًا؛ لأن الدلالة الشرعية لا تستلزم الوقوع، ولو أراده كونًا لوقع.

[من فوائد الآية الكريمة]

الفائدة الأولى: فضيلة الإيمان؛ وجه ذلك توجيه الخطاب أعني خطاب الله عزّ وجل إلى المؤمنين.

الفائدة الثانية: أهمية ما يذكر بعد هذا النداء، لوجود فرق بين قولك: (افعل كذا) وقولك: (يا فلان افعل كذا)، فالثاني أشد وادعى للاهتمام؛ لأنك ناديته حتى ينتبه لك، ففيه أهمية ما سيذكر بعد هذا النداء.

<<  <  ج: ص:  >  >>