للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

° قال الله عزّ وجل: {عْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٨)} [المائدة: ٩٨].

لما ذكر الله عزّ وجل عموم علمه بعد هذه الأحكام العظيمة قال: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}، اعلموا: أي: علمًا يحصل به الامتثال، فيجب علينا أن نعلم؛ لأن الله أمرنا بذلك، {أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} أي: المؤاخذة بالذنب، وسميت المؤاخذة بالذنب عقابًا؛ لأنها تعقبه، و {شَدِيدُ الْعِقَابِ} أي: قويه كمًّا وكيفًا، أو كيفًا فقط؟ نتأمل، كمًّا لا يمكن؛ لأن الله يقول: {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا} [الأنعام: ١٦٠]، لكن كيفًا صحيح.

وقوله: {شَدِيدُ الْعِقَابِ} أي: قوي العقاب إذا عاقب المذنب.

قوله: {وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} يعني: واعلموا أيضًا أنه مع شدة عقابه غفور للذنوب، رحيم بعباده جلَّ وعلا، لا يكلفهم ما يشق عليهم، وإذا أخلُّوا به فهو يرحمهم عزّ وجل بالعفو، قارن بين هذه الآية وبين قوله تعالى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩)} [الحجر: ٤٩] {وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (٥٠)} [الحجر: ٥٠]، تجد بينهما فرق؛ لأن قوله في الآية: {نَبِّئْ} أمرٌ من الله إلى الرسول بأن ينبئ الخلق، وقدم الوصف بالمغفرة والرحمة على العذاب الأليم؛ لأن المقصود الإخبار عن صفة الله عزّ وجل، فقدم الجانب الذي فيه اللطف والإحسان, وهذه ذكرت عقيب أحكام عظيمة، قد يخل بها المرء فقدم فيها جانب التهديد.

<<  <  ج: ص:  >  >>