قوله:{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ}"كتبنا": أي: فرضنا، وكما قال تعالى في آية أخرى:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}[البقرة: ١٨٣] فالكَتْبُ بمعنى الفرض، والكتابة نوعان: كتابة شرعية، وكتابة قدرية كونية، فما تعلق بالأمر والنهي الذي يفعله المكلف فهي كتابة شرعية، وما تعلق بالخلق والتكوين فهي كتابة قدرية، فمن الأول هذه الآية:{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} ومن الثاني قوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ}[الإسراء: ٤] هذا في القضاء، وقال في الكتابة: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢١)} [المجادلة: ٢١] هذه كتابة قدرية قال تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ}[الأنعام: ٥٤] والأمثلة كثيرة.
قوله:{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا} أي: في التوراة، والنص على التوراة يتضمن توبيخ هؤلاء اليهود الذين يقولون: إنهم يعملون بالتوراة ولكنهم لا يطبقونها قال تعالى: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا}[الجمعة: ٥].
قوله:{أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} يعني: أن من قتل نفسًا قُتل بها، كلمة (نفس): القاتل والمقتول لفظ عام في الموضعين، فلننظر هل شريعتنا على هذا أو تختلف؛ الأصل أنها على هذا، والدليل على هذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا