للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِي بِحَقٍّ} لأنه ليس من حق عيسى أن يقول للناس: {اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} بل إن رسالته إنما كانت من أجل النهي عن الشرك، وإخلاص العبادة لله وحده.

وقوله: {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} هذه جملة تدل على أن عيسى عليه الصلاة والسلام يعلم أنه لو صدر منه ذلك لعلمه الله وهو حق، وسيأتي إن شاء الله في الفوائد أن هذا تنديد بالذين يعبدون عيسى؛ لأنه لو قال للناس: {اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} لعلمه الله ولم يُمَكِّنه من هذه الدعوة.

وقوله: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} النفس هنا بمعنى: الذات، وكما في قوله تعالى: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ} [المائدة: ٣٢] وأيضًا قوله تعالى: {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: ٤٥] فالنفس بمعنى الذات، والمعنى: أن ما في نفسي تعلمه، وما في نفسك لا أعلمه، والفرق ظاهر؛ لأن الله هو الخالق، وعيسى مخلوق، والخالق يعلم مخلوقه، والمخلوق لا يعلم عن خالقه إلا ما أخبره به، وإلى هذا يشير قول الله تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤)} [الملك: ١٤].

وقوله: {إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} هذه الجملة استئنافية توكيد لمضمون ما سبق.

[من فوائد الآية الكريمة]

الفائدة الأولى: إثبات القول لله لقوله: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ} وفي القرآن إثبات الكلام، وإثبات النداء، وإثبات المناجاة، وكل هذا يدل على أن الله يتكلم بكلام حقيقة بحرف وصوت وهذا مذهب

<<  <  ج: ص:  >  >>