للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عليك في الدنيا، وأنا أكفرها لك اليوم" (١) أقيك عذابها وعقوبتها مع سترها.

وقوله: {رَحِيمٌ} أي: ذو رحمة بالغة، قال الله تعالى: {فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ} ماذا؟ {ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ} [الأنعام: ١٤٧] والرحمة صفة حقيقية ثابتة لله عزّ وجل بالقرآن والسنة وإجماع السلف، وقد أنكرها أهل التعطيل الذين حكموا على الله بعقولهم، وتركوا الكتاب والسنة؛ لأن من أصول عقيدتهم أن تلقي الصفات من العقول، فما اقتضى العقل نفيه، وجب نفيه، وما اقتضى إثباته؛ وجب إثباته، وما لم يقتضِ نفيه ولا إثباته توقفوا فيه، يقول شيخ الإسلام رحمه الله: إنهم انقسموا فيه قسمين، بعضهم توقف فيه وأكثرهم نفاه، قال: لأنه لا بد من دليل إيجابي على ثبوته، وأنت ترى أن هذا الأصل الخبيث يستلزم تكذيب ما جاء في القرآن، وإثبات ما لم يأتِ في القرآن؛ لأنهم قالوا: إذا أثبت العقل شيئًا أثبتناه، يعني سواء وجد في الكتاب والسنة أم لا، وإذا نفى شيئًا نفيناه، يتصرفون هذا التصرف في معبودهم وإلههم، ولا شك أن الإنسان إذا تأمل هذه القاعدة الخبيثة وجدها خطرًا عظيمًا، ولولا أنهم يعذرون بأنهم قالوا ذلك تاويلًا لكان أمرهم خطيرًا جدًّا.

نحن نؤمن بأن لله تعالى رحمة، وهم لا ينكرون الرحمة إنكار تكذيب لكنهم ينكرونها إنكار تأويل، ولذلك لم يكفروا، ولو أنهم أنكروها إنكار تكذيب لكفروا؛ لأن هذا تكذيب للخبر،


(١) رواه البخاري، كتاب الأدب، باب ستر المؤمن على نفسه، حديث رقم (٥٧٢٢)، ومسلم، كتاب التوبة، باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله، حديث رقم (٢٧٦٨) عن ابن عمر رضي الله عنهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>