للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَكْتُمُونَ} فالإنسان يريد أن يبدي ويريد أن يكتم، وهذا هو إثبات الإرادة للعبد.

والجبرية: قومٌ يقولون: إن الإنسان غير غير بل مجبر ويستدلون بآيات منها قوله تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٨)} [القصص: ٦٨]، قالوا: إنه نفى أن يكون للعبد الخيرة، فشبهتهم قوية، ولكن لا شك أن هذه الشبهة باطلة؛ لأن المراد بقوله تعالى: {مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} يعني: في فعله عزّ وجل، مثلًا قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (٣١)} [الزخرف: ٣١]، يريدون أن يختاروا هم من يكون رسولًا، فقال الله: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ} [الزخرف: ٣٢]، فيكون معنى قوله: {مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} أي: فيما يفعله الله، أما بالنسبة لأفعالهم فلهم الخيرة، والدليل على هذا آيات كثيرة، منها خصال الكفارة مثلًا في كفارة اليمين، ثلاثة منها على التخيير: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، وغير ذلك من الأدلة.

الفائدة الثامنة: أن أهل العلم الذين هم ورثة الأنبياء إذا بَلَّغوا برئت ذمتهم، ولكن هل يجب عليهم التبليغ على كل حال أو إذا كانت هناك فائدة أو ماذا؟ نقول: الأصل أن التبليغ واجب بكل حال، هذا هو الأصل لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بلغوا عني" أمر "ولو آية" (١) لكن قد لا يجب التبليغ، ويجوز أن يكتم العلم إلى وقت ما إذا رأى في ذلك مصلحة، كما فعل معاذ بن


(١) رواه البخاري، كتاب الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، حديث رقم (٣٢٧٤) عن عبد الله بن عمرو.

<<  <  ج: ص:  >  >>