للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طلبوا آية فقط، والنبي - صلى الله عليه وسلم - هو الذي عينها فأراهم انشقاق القمر.

الفائدة السادسة: إثبات أن العذاب له أعلى وله أدنى، لقوله: {فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} فهذا دليل على أن العذاب يتفاوت من شخص لآخر، وتفاوت العذاب أسبابه كثيرة، منها: قلَّة الداعي إلى الذنب فإن قلَّة الداعي إلى الذنب توجب شدة العقوبة عليه، وانظر إلى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاثة لا يكنمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم، وهم: أشيمط زانٍ، وعائل مستكبر، ورجل جعل الله بضاعته لا يبيع إلا بيمينه ولا يشتري إلا بيمينه" (١).

الشاهد الأول: "أشيمط زانٍ": يعني: رجلًا شمطه الشيب، وهذا يدل على ضعف قوته في طلب النكاح، وصَغَّرَهُ بقوله: أشيمط تحقيرًا له، إذًا: زنا الشيخ أعظم عقوبة من زنا الشاب؛ لأن الداعي في الشيخ أقل.

الشاهد الثاني: "عائل مستكبر" عائل يعني: فقيرًا مستكبرًا، الفقير يجب أن يعرف نفسه وقدره، فكيف يستكبر؟ الاستكبار من الغني أهون بلا شك ومتوقع، كما قال الله عزّ وجل: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: ٦، ٧] أي: استغنى عن غيره، وهذا عائل فيستكبر فلذلك اشتدت عقوبته، فكلما قوي السبب في طلب المعصية صارت العقوبة عليها أهون، وكلما ضعف الطلب صارت العقوبة عليها أشد، هنا بيَّن الله عزّ وجل أنه: لا يعذب هذا العذاب أحدًا من العالمين.


(١) هذا اللفظ للطبراني في الكبير (٦/ ٢٤٦) عن سلمان، ومعناه عند مسلم (١٠٧) عن أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>