للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قال قائل: إن الله قال: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨)} [ق: ١٨]، والمراد المَلَك، والإشكال أن الله جلَّ وعلا أضاف الرقابة إليه في سورة المائدة، وفي سورة "ق" أضافها إلى الملكين، فكيف نجمع بين الآيتين؟

الجواب: أن الله رقيب عليهم بملائكته، أي: أن رقابة الملكين بأمر الله عزّ وجل، فيكون هو الرقيب كما قال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨)} [القيامة: ١٨] ومن المعلوم أن الذي يقرأ على الرسول جبريل عليه السلام، فأضاف قراءة الرسول إليه لأنه بأمره، وأيضًا قوله تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: ١٦]، فإن كثيرًا من العلماء يقول في قوله تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} أي: بملائكتنا، {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [ق: ١٧] وليس المراد قرب نفسه تبارك وتعالى، بخلاف قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلة أحدكم" (١) وفَرَّق بين المعنيين بأن قوله: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} يعني إلى الإنسان عامة، ومعلوم أن قرب الله تعالى إلى العبد خاص بعابده أو داعيه، أي: بمن يعبده أو يدعوه، فالقرب ليس كالمعية ينقسم إلى قسمين بل القرب خاص بمن يعبده أو يدعوه، أما من يعبده فكقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "أقرب مما يكون العبد من ربه وهو ساجد" (٢)، وأما داعيه فهو كقول الرسول عليه الصلاة


(١) هذا اللفظ لمسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب خفض الصوت بالذكر، حديث رقم (٢٧٠٤) عن أبي موسى.
(٢) رواه مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، حديث رقم (٤٨٢) عن أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>